العباد ، وإنّما القدرة والتّمكّن (خ ل التمكين) لهم من الله تعالى ، وبينّا أنّ الأمر لا ينفكّ عن الإرادة وتكلّمنا (١) على المثال الذي أورده بقوله : إن الرّجل قد يأمر بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أولا؟ ، وأما تفسيره (٢) للإرادة بالتقدير فهو من مخترعاته التي ألجأه ضيق الخناق (٣) إلى التزامها إذ لو لم يكن ذلك معناه بحسب العرف كما اعترف به وظاهر أنّه ليس ذلك معنى لغويّا أيضا ولو مجازا مشهورا ، كما يظهر من تتّبع كتب اللّغة ، فقد خرج الكلام عن أسلوب أرباب التّحصيل ، ولا يبعد أنّه أخذ ذلك ممّا نسبه أصحابه إلى النّعمانيّة أصحاب محمّد بن
__________________
(١) عند البحث عن صفة الكلام. منه «قده».
(٢) وقد وجدت بعد الفراغ من هذا التأليف في تفسير فخر الدين الرازي عند تفسير قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ما يحتمل أن يكون منشئا لتوهم الناصب في ذلك حيث قال : ان قيل ما معنى القضاء؟ قلنا : فيه وجوه أحدها كذا وثانيها كذا وثالثها القدر وهو يقال مع القضاء فيقال : قضاء الله وقدره ، والقضاء ما في العلم ، والقدر ما في الإرادة بقوله تعالى : (كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، اى بقدرة مع الإرادة ، لا على ما يقولون : انه موجب ردا على المشركين ثم قال تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) ، اى الا كلمة واحدة وهو قوله : كن ، هذا هو الظاهر المشهور ، فعلى هذا فالله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، فهناك شيئان : الإرادة والقول ، فالارادة قدر ، والقول قضاء «انتهى» ولا يخفى أن كلام الرازي هاهنا محمول على المسامحة والا لم ينتظم أول كلامه مع آخره ، لأنه قال أولا : ان القضاء ما في العلم والقدر ما في الإرادة فافهم. منه قدسسره.
(٣) الخناق بكسر الخاء المعجمة : ما يخنق به العنق كالحبل ونحوه ، وشاع استعمال لفظة ضيق الخناق في مقام الاشارة الى تعسر الشيء وصعوبته بحيث ألجأ الشخص الى التشبث بكل حشيش.