سهم كبير في فعلية دواعي الخير في نفوس الناس وجذبهم نحو السير. والسعي نحو الكمال ، كما لا يخفى.
هذا كله تمام الكلام في الصغرى ، وأما الكبرى فسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
الثاني : في معنى كون البعث وإرسال الرسل رحمة ولطفا في حق العباد. فاعلم أن المراد من كون ذلك لطفا ليس إلّا ما يتمكن به الإنسان ، من سلوك اختياري في طريق السعادة ، إذ بدون هذا اللطف لا يعلم الطريق حتى يسلكه ، ويجتنب عن طريق الضلالة ، فالبعث وإرسال الرسل هو اللطف الممكن الذي لا يستغني عنه الإنسان أصلا ، لا ما اصطلح في علم الكلام ، فإن المراد منه هو اللطف المقرب لا الممكن ، ولذا عرفوه بأنه ما يقرب العبد إلى الطاعة ، ويبعده عن المعصية ، ولا حظ له في التمكين ، ولا يبلغ الالجاء ، ومثلوا له بمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه مع كونه مكلفا بالإجابة ، ومتمكنا من الامتثال لا يجيبه إلّا أن يستعمل معه نوعا من التأدب فالتأدب المذكور يقرب المكلف إلى الامتثال ويبعده عن المخالفة ، فإذا كان للداعي غرض صحيح في دعوته ، يجب عليه التأدب المذكور تحصيلا لغرضه ، وإلّا نقض غرضه الصحيح وهو قبيح عن الحكيم.
ومن المعلوم ان الإنسان بالنسبة إلى سلوك طريق السعادة والاجتناب عن طريق الضلالة ، ليس كالمدعو الذي ذكر في المثال متمكنا عن الإجابة والامتثال ، فإن الإنسان لا يعلم بجميع ما يصلح له وما يضره إلّا بالبعثة وإرسال الرسل ، فجعل البعث وإرسال الرسل لطفا بالمعنى المذكور في الكلام ، تنازل عن درجة الحاجة إلى البعثة بلا وجه ، إذ حاجة الإنسان إليها أشد وأزيد من ذلك.
وعليه فلا مورد لتعبير المصنف حيث قال في بيان الحاجة إلى البعثة :