رواية الغثّ والسمين في ذلك الباب ، فأورث ذلك عليهم الطعن أو التخليط.
ولعلّ بعضهم كان يحرص على بلوغ مرتبة أصحاب المعارف الغامضة ، والعلوم الخفيّة ، احتذاءً بجابر بن يزيد الجُعفي ، وميثم ، ورشيد الهجري وأضرابهم.
بل إنّ هذا التطلّع والحرص مع عدم القابلية قد شطّ بالبعض الآخر إلى الشذوذ والانحراف ، كأبي الخطاب محمّد بن مقلاص ، ويونس بن ظبيان ، ونحوهما ممّن كانت له فترة استقامة ثمّ انحراف ، ويشير إلى ذلك ما رواه في تحف العقول عن أبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول ، قال : قال لي الصادق عليهالسلام : «إنّ الله جلّ وعزّ قد عيّر أقواماً في القرآن بالإذاعة» ، فقلت له : جُعلت فداك أين قال؟ قال : «قوله : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ)(١).
ثمّ قال : «المُذيع علينا سرّنا كالشاهر بسيفه علينا ، رحم الله عبداً سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه. يا ابن النعمان ، إني لأحدث الرجل منكم بحديث ، فيتحدّث به عنّي ، فاستحل بذلك لعنته والبرائة منه ، فإنّ أبي كان يقول : وأيّ شيء أقرّ للعين من التقيّة ، إنّ التقيّة جُنّة المؤمن ، ولو لا التقيّة ما عبد الله ، وقال الله عزوجل : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ ...) (٢) الآية. يا ابن النعمان ، إنّ المُذيع ليس كقاتلنا بسيفه ، بل هو أعظم وزراً ، بل هو أعظم وزراً ، بل هو أعظم وزراً. يا ابن النعمان : إنّ العالم لا يقدر أن يخبرك بكلّ ما يعلم ، لأنّه سرّ الله الذي سرّه إلى جبرئيل ، وأسرّه جبرئيل إلى محمّد صلىاللهعليهوآله ، وأسرّه محمّد صلىاللهعليهوآله إلى عليّ ، وأسرّه علي عليهالسلام إلى الحسن ، وأسرّه الحسن عليهالسلام إلى الحسين ، وأسرّه الحسين عليهالسلام إلى عليّ ، وأسرّه عليّ عليهالسلام إلى محمّد ، وأسرّه محمّد عليهالسلام إلى مَن أسرّه عليهالسلام ، فلا تعجلوا فو الله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذَعْتُموه ، فأخّره
__________________
(١) النساء / ٨٣.
(٢). آل عمران / ٢٨.