فلابدّ أن يتّجه البحث إلى أنّ حقّ الطاعة للمولى هل يشمل التكاليف الواصلة بالوصول الاحتمالي ، أو يختصّ بما كان واصلاً بالوصول القطعي بعد الفراغ عن عدم شموله للتكليف بمجرّد ثبوته واقعاً ولو لم يصل بوجه؟
الرابع : ما ذكره المحقّق الإصفهانيّ (١) أيضاً تعميقاً لقاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ على أساس مبنىً له في حقيقة التكليف ، حاصله : أنّ التكليف إنشائي وحقيقي ، فالإنشائي ما يوجد بالجعل والإنشاء ، وهذا لا يتوقّف على الوصول.
والتكليف الحقيقي ما كان إنشاؤه بداعي البعث والتحريك ، وهذا متقوّم بالوصول ، إذ لا يعقل أن يكون التكليف بمجرّد إنشائه باعثاً ومحرِّكاً ، وإنّما يكون كذلك بوصوله. فكما أنّ بعث العاجز غير معقولٍ كذلك بعث الجاهل. وكما يختصّ التكليف الحقيقي بالقادر كذلك يختصّ بمن وصل اليه ليمكنه الانبعاث عنه.
فلا معنى للعقاب والتنجّز مع عدم الوصول ؛ لأنّه يساوق عدم التكليف الحقيقي ، فيقبح العقاب بلا بيانٍ لا لأنّ التكليف الحقيقي لا بيان عليه ، بل لأنّه لا ثبوت له مع عدم الوصول.
ويرد عليه :
أولاً : أنّ حقّ الطاعة إن كان شاملاً للتكاليف الواصلة بالوصول الاحتمالي فباعثية التكليف ومحرّكيته مولوياً مع الشكّ معقولة أيضاً ؛ وذلك لأنّه يحقِّق موضوع حقّ الطاعة. وإن لم يكن حقّ الطاعة شاملاً للتكاليف المشكوكة فمن الواضح أنّه ليس من حقّ المولى أن يعاقب على مخالفتها ؛ لأنّه ليس مولىً بلحاظها بلا حاجةٍ إلى هذه البيانات والتفصيلات. وهكذا نجد مرّةً اخرى أنّ روح البحث يجب أن يتّجه إلى تحديد دائرة حقّ الطاعة.
__________________
(١) نهاية الدراية ٤ : ٨٣.