المدركة كالوجودات الذهنية الحقيقية من النسب ، والإضافات الحقيقية ، والمعقولات الاُولى ، وسائر ما يقع في الدرجة الثانية من التعقّل ، أي ليس من المعقولات الاُولى ، فهي من المعقولات الثانية المنطقية . والقيد بالحقيقية لإخراج القسم الأول ، أي الوجود الفرضي الإعتباري ، فهذا القسم أعني الوجود الحقيقي على قسمين خارجي وذهني .
ثم لمّا كان وعاء حصول القسم الأول مما يتصوّره العقل ـ أي الوجود الفرضي ـ هو المشاعر ، وكذلك وعاء حصول القسم الثاني من الوجود الحقيقي ، أي الذهني أيضاً هو المشاعر ، يورد سؤال عن الفرق بينهما ، ويقال : فحينئذ يكون هذا القسم الثاني من الوجود الحقيقي هو أيضاً من أقسام الوجود الفرضي ، ضرورة أنّ حصوله إنّما هو في القوى المدركة .
والجواب : أنّ القسمين كليهما ـ وإن كان ظرف حصولهما ـ هو المشاعر ، ولكنّ الأوّل منهما اعتباري محض لا يكون قابلاً للحوق الوجود إيّاه ، ولا تترتّب عليه فائدة علمية ، ولا يحكم عليه بشيء إلّا أنّه من ملفّقات المتصرفة ، ومختلقات المتخيّلة بخلاف الثاني ، فإنّه نسب ، وإضافات ، وصور حقيقية ، هي مرايا الأعيان الخارجية ، وروازنها ، وعناوينها ، وألسنتها ، وأظلالها ، وموضوعات لمسائل شتّى ، علمية حقة تستنتج منها .
وهذا القسم هو الموجود الذهني ، وهو من أقسام الموجود الحقيقي ، والموجود في نفس الأمر .
فنفس الأمر أعمّ من الخارج لأنه كلّما تحقق أمر في الخارج تحقق في نفس الأمر ، وكذلك كلّما تحقق أمر في الذهن تحقق أيضاً نفس الأمر ، ولكن يمكن أن يتحقق الموجود الذهني فقط ، ولا يتحقق الموجود الخارجي ، فحينئذ يتحقق أمر في نفس الأمر فقط ، ولا يتحقق أمر في الخارج كإنسانية زيد المعدوم في الخارج ، فحيث أن زيداً معدوم في الخارج لا تتحقق إنسانيته المقيّدة فيه ، وإن كانت متحققة في الذهن .
ثم ان ها هنا سؤالاً آخر ، وهو ان ما قررتم في معنى نفس
الأمر فما الفرق بين القضايا الصادقة والكاذبة ، لأن الصادق هو الذي له مطابق في الخارج ، دون الكاذب ،
فإذا لم تكن لإنسانية زيد المعدوم في الخارج مطابق ـ بالفتح ـ في الخارج أصلاً
فكما ان إنسانيته معدومة ، فكذلك حماريته معدومة في الخارج ، فليس لهما مطابق في الخارج
،