والوجه الثاني : أن ما فعلوه أولى مما سامنا وذلك أن الإعراب قد استقر أن يثبت حكمه في درج الكلام وهو زيادة على الاسم ويسقط في الوقف فحمل التنوين عليه لاشتراكهما في أنهما علامتان زائدتان على الاسم ، فلما وجب في الإعراب كان ما ذكرناه لأنه عند الفراغ من الكلمة يجب أن تقع راحة المتكلم ، إذ كان آخر نشاطه آخر كلامه فأرادوا (١) أن يكون لفظه في هذه الحال أخف من لفظه في حال النشاط ، فجعل حال الدرج والتنوين لأنه موضع لاستراحته.
فإن قيل لك : فلم أبدلتم من التنوين ألفا في الوقف (٢) ، وهذا قد أدى إلى التسوية بين الزائد والأصلي على ما علمتم لأنه قد ثبت في الوقف والأصل ، لأن القصد من الفصل بين الزائد والأصلي أن يحصل للزيادة حال نقص في حال الوقف والدرج ، ولا يثبت في حال واحدة كثبات الأصلي ، والألف التي هي بدل من التنوين تسقط في الدرج كما يسقط التنوين في الوقف ، فقد فارق حكم الحرف الأصلي؟ وإنما أبدلوا من التنوين ألفا لأن الألف خفيفة ، وإن الإشارة إلى الفتح متعذرة لخفائه فكان البدل من التنوين ألفا يجتمع فيه أمران : أحدهما : بيان الإعراب فيما قبله ، والآخر : أن تكون هذه العلامة بها حال تثبت في الوصل والوقف حتى لا يسقط حكمها في الوقف بحال.
وإنما احتيج إلى ذلك لأن شرط العلامة أن تثبت في كل حال ، فلما عرض في ثباتها في جميع الأصول اللبس بالحرف الأصلي والتسوية بينها وبينه أسقط التنوين ، فيما ذكرناه وأثبت هاهنا لئلا يخل بحكمه.
__________________
(١) في الأصل : فأردوا.
(٢) للتفصيل انظر التصريف الملوكي ٣١ (إبدال الألف من النون) ، وأسرار العربية ٤٢ إذ يعرض ابن الأنباري آراء النحاة في مسألة الوقف وإبدال التنوين ألفا ، و ٤١٢ باب الوقف.
وانظر : المبدع في التصريف ١٦٢ ـ ١٦٣ ، والشافية بشرح الجاربردي حيث تحدث فيها عن ثلاثة مذاهب في إبدال التنوين أيضا في الوقف ١ / ١٧١.