وأما النوع الثاني فلقب بالفعل ؛ وذلك أن قولك (ضرب) يدل على الضرب والزمان ، والضرب هو فعل في الحقيقة ، فلما كان ضرب يدل عليه لقّب بما دل عليه (١).
فإن قيل : فلم صار تلقيبه بالفعل الدال عليه دون الزمان وهو أيضا دال عليه؟ قيل : لأنه مشتق من لفظ المصدر ، وليس مشتقا من لفظ الزمان ، فلما اجتمع فيه الدلالة على المصدر واشتقاق اللفظ كان أخص به من الزمان لوجود لفظه فيه.
فإن قيل : فلم اشتق الفعل من المصدر دون الزمان؟ قيل : لأن الزمان دائم الوجود والمصادر أفعال تنقضي ، وإنما الغرض في اشتقاق الفعل من أحدهما ليدل عليهما ، فلما كانت الأفعال منقضية والزمان موجودا ، وجب أن يقع الاشتقاق من المصادر ليدل لفظ / الفعل عليهما من غير تذكار ، ولم يجتمع في الزمان إلى ذلك لوجوده ؛ فلهذا وجب الاشتقاق من المصدر دون الزمان.
ووجه آخر أن أسماء الأزمنة قليلة وأسماء الأنفس كثيرة ، فلو اشتق من الزمان لفظ الفعل ضاق الكلام ، ولم يكن فيه مع ذلك دلالة على المصدر ، فاشتق لفظ الأفعال من المصدر لأنها لا تفارقه وإن لم يكن لها اسم يحصرها.
وأما تسمية النوع الثالث بالحرف فالحرف في اللغة موضوع لطرف الشيء (٢) ، و [لمّا](٣) كان هذا النوع إنما يقع طرفا للاسم والفعل معا خصّ بهذا اللقب كقولك : أزيد في الدار؟ والألف إنما أدخلت للاستفهام عن كون زيد ولم تدخل (٤) هي لمعنى يختصها ، وهي في اللفظ حرف مع ذلك ، فاعرفه.
__________________
(١) أي أن الفعل مشتق من المصدر ، ولم يشتق من الزمن مع دلالته عليهما جميعا.
(٢) الطرف : منتهى كل شيء. التاج (طرف) ٦ / ١٧٦.
وفي الإيضاح ٤٤" سمي حرفا لأنه حد ما بين هذين القسمين ورباط لهما ، والحرف حد الشيء". وانظر أسرار العربية ١٢.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) مكررة في الأصل.