فالجواب في ذلك أن الفعل يدل بصيغته على الزمان وهو مضارع للزمان بنفسه ، فلما صار الزمان مشاركا للفعل هذه المشاركة استحق طرح حرف الجر منه إذ كان حذفه لا يشكل وهو أخف في اللفظ.
وأما ظروف المكان فالفعل لا يدل عليها من لفظه ، وإنما يدل عليها بالمعنى كما يدل على الفعل والمفعول ، إذا تعدى الفعل إليه بحرف جر لا يجوز حذف [حرف](١) الجر منه إلا أن يسمع ذلك من العرب ، ألا ترى أنك تقول : مررت بزيد ، ولا يجوز أن تقول : مررت زيدا ، وكذلك كان القياس في جميع ظروف المكان أن يتعدى الفعل إليها بحرف الجر كقولك : قمت في الدار ، وقمت في خلفك ، إلا أن الظروف المبهمة يجوز حذف حرف الجر منها ؛ لأنها قد أشبهت ظروف الزمان ، وذلك أنه ليس لها خلق كما أن الزمان لا خلقة له فباين بعضها بعضا ، وكذلك الخلف والقدام وما أشبه ذلك من هذه الظروف المبهمة يجوز أن تنقلب كلها فيصير الخلف قداما ، والقدام خلفا ، ألا ترى أن الجهة التي هي خلف ، إن تقدمها الشخص صارت قداما له ، وكذلك / حكم القدام له فلما كانت هذه الظروف شبيهة بظروف الزمان عدوّا الفعل إليها من غير توسط حرف الجر. ومع ذلك فإن هذه الظروف ليس يتعلق الفعل بها إلا على طريق الاستقرار ، ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول : هدمت خلفك ولا قدامك ، كما تقول : هدمت الدار ، ولهذه العلّة جاز حذف حرف الجر منها.
فأما ما كان من ظروف المكان مخصوصا نحو : الدار والمسجد وما أشبه ذلك فلهذه خلق (٢) كزيد وعمرو ، ألا ترى أنه لا تسمى كل بقعة بمسجد ولا دار ، فلما جرت هذه الظروف مجرى زيد وعمرو وجب ألا يتعدى الفعل إليها إلا بحرف الجر (٣).
__________________
(١) كتبت في الأصل على الهامش.
(٢) في الأصل : خلف.
(٣) قال أبو علي : " الأماكن المختصة تشبه زيدا وعمرا في أن لكلّ ضرب منها جثثا متميزا بعضها من بعض ، ـ