قيل : هذا الذي ذكرت إنما هو عبارة الكلمة وأنت إذا قلت : يا زيد ، فلست مقبلا على مخاطب بهذا الحديث عن زيد ، إنما خطابك فيه لزيد ، وإذا قلت : دعوت زيدا ، فأنت مخاطب غير زيد بهذا ، ولو خاطبت بهذا زيدا لقلت : دعوتك ، ولم تقل دعوت زيدا ، والتأويل تأويل فعل ، والمعنى معنى خطاب ، فوقع زيد بين حالتين ، بين المخبر عنه وهو غائب ؛ لأنه معرض عنك ، وبين المخاطب ؛ لأنك تريد غيره فضارع المكني ؛ لأنك إذا خاطبت فإنما تقول أنت فعلت ، وإياك أردت ، وهما اسمان مبنيان ، فلما خوطب المنادى باسمه الذي يقع فيه الحديث عنه عند من يخاطب صار غير متمكن في هذا الموضع فعدل عن الإعراب إلى البناء ؛ لأنه وقع موقع اسم مبني.
فإن قال قائل : ما بال هذا المفرد كان بناؤه على حركة؟
قيل له : لأن المنادى من قبل كان مستحقا للإعراب ، وكل اسم كان معربا ثم أزيل عنه الإعراب لعلّة عرضت فيه وجب أن يبنى على حركة ، ليكون بينه وبين غيره من الأسماء التي لم تقع قط معربة فرق نحو : من ، وكم ، وما ، فلهذا وجب أن يبنى المنادى على حركة.
فإن قيل : فلم صار الضم أولى من سائر الحركات؟
قيل له : لأن الفتح مبني على أصل لو بني عليه لم يعلم أمعرب هذا أم مبني ، إذ كان في الأسماء ما لا ينصرف ، فلو ناديته وفتحته لم يعلم أنه منصوب على أصل ما يستحقه المنادى أو مبني فسقط الفتح لما ذكرناه ، ولم يجز الكسر / لأن المضاف إلى المتكلم الاختيار فيه حذف الياء والاجتزاء بالكسرة عنها نحو : يا غلام أقبل ، فلو كسرت المنادى لم يعلم أنه مفرد أو مضاف فسقط الكسر أيضا فلم يبق إلا الضم ، فلهذا خصّ بالضم.