يكون في تركه حكمة وفي فعله مفسدة ، مثل : أنّ الكفّار في بدو الإسلام إذا كانوا يرون المسلمين يباحثون في المسائل ويجادلون ، كان بحثهم مظنّة أن يقال : إنّ هؤلاء بعد لم يستقرّ أمر دينهم ويدعوننا إليه ، ونحو ذلك.
وأمّا النّهي عن خصوص الخوض في مسألة القدر ، فهو لا يستلزم النّهي عن النّظر في المعارف الحقّة ، إذ القدر الذي كلّفنا به هو ما يمكن أن تبلغه عقولنا ، وأسرار القدر ممّا لا تبلغه عقولنا ، فالنّظر والكلام فيه مزلقة عظيمة.
لا يقال : إنّ ذلك أيضا يرجع الى معرفة الله تعالى بصفاته الذّاتيّة أو الفعليّة ، والأمر منه دائر بين النّفي والإثبات ، فما معنى [النّهي] عن النّظر فيه.
لأنّا نقول : النّظر في المطالب والتّمييز بين الحقّ والباطل واختيار النّفي والإثبات إمّا يحصل بإقامة البرهان على حقيّة أحد الطّرفين وبطلان الآخر بإبطال دليل الطّرف الآخر ، وإمّا يقام البرهان على حقيّة أحد الطّرفين ، فينتفي نقيضه لامتناع اجتماع النّقيضين أو الضدّين ، ولا يضرّه عدم الاقتدار على إبطال دليل الأخرى ، لاحتمال عدم القدرة على إدراكنا للمعايب الثّابتة في مادّة برهانه أو هيئته.
وحصول اليقين في الطّرف المقابل شاهد على بطلان الدّليل الذي أقيم على خلافه ، فإنّا إذا تأمّلنا في مسألة فعل العبد مثلا وأقمنا البرهان على كونه مختارا بالبراهين القاطعة من الضّرورة العقليّة ، ولزوم اللّغوية في إرسال الرّسل ، والوعد والوعيد ، ومدح الصّلحاء وذمّ الفسّاق ، وغير ذلك مما ملئ به الكتاب والسنّة ؛ فلا يضرّه العجز عن شبهة الجبر ، ولذلك قال بعض المحقّقين : إذا عارض الشّبهة البديهة ، فلا يلتفت إليها.
ففي مثل شبهة خلق الكافر المتداولة في الألسنة والكتب ، إذا أثبتنا بالبرهان