وبتقارب المدارك في المسائل الاجتهادية يخرج ما ضعف مدركه جدّا كالعول والتعصيب (١) وقتل المسلم بالكافر ، فإنّه لو حكم به حاكم وجب نقضه ، وبمصالح المعاش تخرج العبادات ، فإنّه لا مدخل للحكم فيها ، فلو حكم الحاكم بصحّة صلاة زيد لم يلزم صحّتها ، بل إن كانت صحيحة في نفس الأمر فذلك ، وإلّا فهي فاسدة. وكذا الحكم بأنّ مال التجارة لا زكاة فيه ، وأنّ الميراث لا خمس فيه ، فإنّ الحكم به لا يرفع الخلاف ، بل لحاكم غيره أن يخالفه في ذلك.
نعم ، لو اتّصل بها (٢) أخذ الحاكم ممّن حكم عليه بالوجوب مثلا ، لم يجز نقضه. فالحكم المجرّد عن اتّصال الأخذ إخبار كالفتوى ، وأخذه للفقراء حكم باستحقاقهم ، فلا ينقض إذا كان في محلّ الاجتهاد.
ولو اشتملت الواقعة على أمرين أحدهما من مصالح المعاد والآخر من مصالح المعاش ، كما لو حكم بصحّة حجّ من أدرك اضطراري المشعر وكان نائبا ، فإنّه لا أثر له في براءة ذمّة النائب في نفس الأمر ، ولكن يؤثّر في عدم رجوعهم عليه بالأجرة ، انتهى (٣). وسيجيء تحقيق الكلام في أواخر الكتاب.
إذا تمهّد هذا فنقول : ذهب الأكثرون إلى كفاية المزكّي الواحد في الرّواية وهو مذهب العلّامة في «التهذيب» (٤) ، وذهب المحقّق (٥) ومن تبعه إلى أنّه لا يقبل
__________________
(١) في الميراث كما هو مذهب العامّة والمبني على الاستحسان أو غير ذلك.
(٢) أي الفتوى.
(٣) كلام الشهيد.
(٤) ص ٢٣٥.
(٥) في «المعارج» ص ١٥٠ ، وتبعه الشيخ حسن في «المعالم» ص ٣٥٦ ، حيث ذهب إلى أنّ قول المحقّق هو الحق.