طيات ثيابه دون أن
يعطيهما لخدمه لأنه لم يكن ليثق بهم ويأمن جانبهم كما قيل لي دون أن أعلم لماذا؟!
وعندما أراد
التركي الانصراف حاول التعبير عن شكره للربان فقال : «أرجو أن تصبح إنكلترا مثل
تركيا دولة كبيرة معظمة». بيد أن هذا التعبير مس شعور الربان ونال من كبريائه
الوطني فقال بانفعال شديد : «لم أسمع ماذا قلت؟ أنت تريد أن تجعل من تركيا في رتبة
الدولة الإنكليزية العظيمة؟
أجاب (الأفندي
التركي) : لا .. إلّا أنني تمنيت أن يكون لإنكلترا نفس نفوذ وسطوة تركيا ..
وعلى أي حال ..
إننا تركنا الرجلين في جدالهما ومناقشتهما وهبطنا من السفينة متوجهين إلى المدينة.
وهذه المدينة ـ التي
أسست منذ ثلاثين سنة في موضع تكثر فيه عواقيل ومنعطفات نهر دجلة المتعددة وقرب
حدود إيران ـ ليس فيها وسائل الحياة البتة ، ولو لم يعرفنا قنصلنا في بغداد قبل
وصولنا إليها بأحد التجار النصارى لكان من المتعذر علينا أن نمكث فيها ولو لساعات
معدودات.
كان مضيفنا يدعى (عيسى)
وهو أحد سراة المدينة المعروفين ولقد وضع تحت تصرفنا أحسن حجر منزله إلّا أنه مهما
بذل من جهد لكي يهيئ لنا جيادا نمتطيها في سفرتنا لم يصل إلى نتيجة تذكر قط. إذ لم
يكن في هذه المنطقة ما عدا عند بعض العوائل التي تملك فرسا أصيلة وذات نسب وحسب
حجازي معروف ، فليس من المعقول أن يسمح لنا أن نمتطي ظهورها على ما هي من الأصالة
والنسب العريق؟! ولا سيما انه من الممكن أن يتعرض لنا في سفرتنا هذه أفراد من
قبيلة بني لام التي تقطن بين دجلة ومدينة دزفول الإيرانية.
وإن لم تدون على
جلود هذه الفرس شجرات نسبها والجوائز التي أحرزتها في المسابقة فذلك لا يفوت
الأعراب أبدا ، فبمجرد رؤيتهم إياها يذكرون لك كل ذلك كأنهم يحفظونه عن ظهر قلب ..
ولقد ذكر لي أن
أحد حكام العمارة كان قد قام بخدمة لشيخ من شيوخ