وجه الشّبه من أشهر [أظهر] خواصّ المشبّه به ، حتى إذا حصل القرينة على عدم إرادته انتقل الى لازمه ، كالشجاعة في الأسد ، فلا يجوز استعارة الأسد لرجل باعتبار الجسميّة أو الحركة ونحوهما. وكذلك الحال في المشبّه فلا بدّ أن يكون ذلك المعنى أيضا فيه ظاهرا ، ولذلك ذهب بعضهم (١) الى كون الاستعارة حقيقة. فإنّ التجوّز في أمر عقلي ، وهو أن يجعل الرّجل الشجاع من أفراد الأسد ، بأن يجعل للأسد فردان حقيقي وادّعائي ، فالأسد حينئذ قد اطلق على المعنى الحقيقي بعد ذلك التصرّف العقلي ، وهذا المعنى مفقود بين النخلة والحائط والجبل ، فإنّ المجوّز لاستعارة النخلة للرّجل الطّويل هو المشابهة الخاصّة من حصول الطّول مع تقاربهما في القطر ، وهو غير موجود في الجبل والحائط.
وهكذا ملاحظة المجاورة ، فإنّ المجاورة لا بدّ أن يكون بالنسبة الى المعنيين معهودا ملحوظا في الأنظار كالماء والنّهر والميزاب ، لا كالشّبكة والصّيد ، فإنّ المجاورة فيهما اتفاقية (٢) ، بل المستفاد من المجاورة المعتبرة هو المؤانسة ، والتنافر بين الشبكة والصّيد واضح.
وأمّا الأب والابن ، فعلاقة السّببية والمسبّبية فيهما أيضا خفية عرفا ، وليس أظهر خواصّ الابن والأب حين ملاحظتهما معا السببيّة والمسبّبيّة.
__________________
(١) لقد اختلفوا في أنّ الاستعارة مجاز لغوي أم عقلي ، فذهب الجمهور الى الأوّل بمعنى أنّها لفظ استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة ، ونسب الثاني الى السّكاكي بمعنى أنّها حقيقة لغوية ومجاز عقلي.
(٢) غير معهودة في الأنظار ، أو تحصل أحيانا واتفاقا لعدم كثرة وجود الشبكة على فرض الكثرة ، فالشبكة مخصوصة بالصياد في البحار والأنهار لا يراها الناس غالبا ولا يتصوّرها الأكثر ، بخلاف الميزاب لكونه في مرئ الناس ومسمعهم غالبا.