وبأنّ (١) المقدّمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها ، وحينئذ فإن بقي التكليف لزم التكليف بالمحال وإلّا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا ، وكلاهما باطلان ، وأنّ العقلاء يذمّون تارك المقدّمة مطلقا.
والجواب عن الأوّل : أنّ الإجماع في المسائل الاصولية غير ثابت الحجّية ، ودعوى بعضهم الضّرورة مع دعوى الجماعة الإجماع يقرب كون مراد الأكثرين أيضا الوجوب بالمعنى الذي اخترناه ، لا الوجوب الأصليّ ، لغاية بعده.
وعن الثاني : إنّا نختار الشقّ الأوّل (٢).
ونجيب أوّلا : بالنقض بما لو ترك عصيانا على القول بالوجوب ، إذ لا مدخليّة في الوجوب في القدرة.
فإن قلت : العصيان موجب لحصول التكليف بالمحال ولا مانع منه إذا كان السّبب هو المكلّف ، كما فيمن دخل دار قوم غصبا ، أو زنى بامرأة ، فهو مكلّف بالخروج وعدمه ، وإخراج فرجه من فرجها وعدمه.
قلنا : فيما نحن فيه أيضا صار المكلّف هو سببا للتكليف بالمحال ، لأنّ الفعل كان مقدورا له أوّلا فهو بنفسه جعله غير مقدور.
وثانيا : بالحلّ وهو أنّ المقدور لا يصير ممتنعا ، إذ الممتنع هو التكليف بشرط عدم المقدّمة لا حال عدم المقدّمة ، نظير تكليف الكفّار بالفروع حال الكفر.
وإن فرضت الكلام في آخر أوقات الإمكان على ما هو مقتضى جواز الترك ، فنلتزم بقاء التكليف أيضا لعدم استحالة مثل هذا التكليف ، لأنه بنفسه تسبّب
__________________
(١) لصاحب «المعالم» فيه ص ١٧١.
(٢) أي بقاء الواجب على وجوبه بعد اختيار المكلّف ترك المقدمة.