وزير الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي ، يصنف كتابه «المثل السائر في
أدب الكاتب والشاعر» وهو كتاب فريد في بابه يفوق أنداده وأترابه ، جمع فيه فأوعى ،
ولم يترك شاردة ولا واردة ، لهما مساس بالكتابة والقريض إلا ذكرهما بشرح واف ، يدل
على طول باع ، وسعة اطلاع ، مع قدرة على النقد ، وبديهة حاضرة في إدراك خصائص
البلاغة ، ومن ثمة اشتمل كتابه على كثير من أبواب تلك الفنون ، وطبق عليهما كثيرا
من آي الكتاب والسنّة النبوية ، وتلك منقبة امتاز بها من بين هاتيك المؤلفات في
تلك العلوم.
وكان يحاكي في
أسلوبه أسلوب القاضي الفاضل المتوفى سنة ٥٩٦ ه وزير صلاح الدين الأيوبي (على ما
بينهما من شاسع البون) وطريقة القاضي معروفة بين المتأدبين وهي من النوع الذي يغلب
عليه السجع والجناس وغيرهما من المحسنات اللفظية ، وكانت براعة الكتّاب في هذا
العصر وما بعده تظهر في استعمال تلك الطلاوة اللفظية ، وبها يفوق كاتب كاتبا ،
ويبز الأقران في هذا الميدان.
٧ ـ عصور الاختصار ووضع الشروح والحواشي
طفق المؤلفون
من القرن الثامن وما بعده يوسعون الشروح والحواشي على المفتاح وتلخيصه للقزويني ،
وصرفوا جل همتهم في تفسير ما أشكل من عبارات المؤلفين ، والجمع بين ما تناقض من
آرائهما.
ومن أجلّ تلك
الشروح شروح مسعود سعد الدين التفتازاني المتوفى سنة ٧٩١ ه وشروح السيد الجرجاني
المتوفى سنة ٨١٦ ه ، ثم تتابعت التقارير والحواشي توضح ما انبهم من تلك التراكيب
المجملة ، والعبارات الغامضة ، وليس علينا من غضاضة في التصريح بأن أساليب التأليف
في تلك العصور قد ملكت عليها العجمة أمرها ، وجلبت عليها أنواع التعقيد بخيلها
ورجلها ، فلم تكن هي الأساليب التي يجدر أن تكتب بها علوم البلاغة ، أو بالأحرى
علوم خصائص اللسان العربي المبين.
ومن ثمة لم يكن
القارىء ليجعلها قدوة في أساليبها ، أو نماذج في تراكيبها ، فهي أحرى أن تكون
أساليب اصطلاحية علمية ، لا لغوية أدبية ، تشرح خصائص كلام العرب وتبين مزايا
أساليبه ، وما زالت تتدلى وتتدهور حتى وصلت الى ما تراه اليوم ، تتضاءل في أطمارها
البالية وتنزوي أمام أهل الجيل الحاضر.