فالمشبه هنا هو الصبح والمشبه به هو غرّة مهر أشقر ، وهذا تشبيه مقلوب ، لأن العادة في عرف الأدباء أن تشبّه غرّة المهر بالصبح ، لأن وجه الشبه وهو البياض أقوى في الصبح منه في المهر. ولكن الشاعر عدل عن المألوف ، وقلب التشبيه للمبالغة ، بادّعاء أن وجه الشبه أقوى في غرّة المهر منه في الصبح.
ومنه قول محمد بن وهيب الحميري (١) في ذات التشبيه :
وبدا الصباح كأن غرّته |
|
وجه الخليفة حين يمتدح |
فالمشبّه هنا أيضا هو ضوء الصباح في أول تباشيره ، والمشبه به هو وجه الخليفة عند سماعه المديح. فالتشبيه كما ترى مقلوب ، والأصل فيه هو العكس ، لأن المألوف أن يشبّه الشيء دائما بما هو أقوى وأوضح منه في وجه الشبه ؛ ليكتسب منه قوة ووضوحا. ولكن الشاعر تفننا منه في التعبير عكس القضية وقلب التشبيه للمبالغة والإغراق بادّعاء أن الشبه أقوى في المشبّه.
ومنه قول البحتري مادحا :
كأن سناها بالعشيّ لصبحها |
|
تبسّم عيسى حين يلفظ بالوعد |
شبّه البحتري برق السحابة الذي ظلّ لّماعا طوال الليل بتبسم الممدوح حين يعد بالعطاء ، ولا شك أن لمعان البرق أقوى من بريق الابتسام ، فكان المألوف أن يشبّه الابتسام بالبرق على عادة الشعراء ، ولكن البحتري قلب التشبيه تفننا في التعبير والتماسا للمبالغة بادّعاء أن وجه الشبه أقوى في المشبّه.
__________________
(١) شاعر شيعي عباسي انقطع لمدح المأمون.