بين مذهبين في الشعر متقابلين من حيث صنع الشعر ونقده. والمذهب الأول هو مذهب أبي عبادة البحتري ودعاة البلاغة العربية «ممن يفضلون سهل الكلام وقريبه ، ويؤثرون صحة السبك ، وحسن العبارة ، وحلو اللفظ ، وكثرة الماء والرونق» (١). والمذهب الثاني هو مذهب أبي تمام وأصحابه ممن «يميلون إلى الصنعة ، والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفكرة ، ولا تلوي على غير ذلك» (٢).
ومنهاج الآمدي في الموازنة ألا يفصح بتفضيل أحد الشاعرين على الآخر ، وإنّما يعرض بالنقد لحجج المتعصبين لكل منهما ، ثمّ يقارن بين قصيدتين من شعرهما إذا اتّفقتا في الوزن والقافية وإعراب القافية ، وبين معنى ومعنى ، مع بيان أيهما أشعر في تلك القصيدة ، وفي ذلك المعنى ، ثمّ بترك الحكم حينئذ للقارىء على جملة ما لكل واحد منهما ، إذا أحاط علما بالجيد والرديء (٣). فالموازنة في الواقع دراسة تطبيقية للصورة والمحسنات في شعر الشاعرين.
وليس يعنينا من الموازنة هنا إلّا ما جاء فيها متصلا بعلم البيان ، وهو الباب الذي عقده الآمدي لما عيب من الاستعارة عند أبي تمام ، فهو في هذا الباب يذكر القبيح من استعارات أبي تمام ، ومصدر هذا القبح في نظره هو غلوّ أبي تمام وإغراقه في استعاراته ، ويقول : «إنّ للاستعارة حدا تصلح فيه ، فإذا جاوزته فسدت وقبحت». ثمّ يشير إلى الاستعارة إشارات عامة من غير تحديد لها كقوله : «وإنّما استعارت العرب المعنى لما ليس له إذا
__________________
(١) الموازنة : ص ٤ ـ ٥.
(٢) نفس المرجع ص : ٥.
(٣) الموازنة ص : ٥.