كان سيف منكبا على تأليف أخباره كانت هناك قطائع بقيت من الخطط القديمة وخلفت آثارها في أسماء المكان منها سليم ومرهبة وكلاهما موضع حقيقي قائم بذاته ، وكانت هناك شظايا ذكريات عن حضور قديم جدا : مثلا البويب ذاته. لكن تنتابنا في كل حال الحيرة بخصوص دار الرزق التي ورد ذكرها في أخبار جانبية اعتمدها الطبري (١) وقد طفت أيضا قصائد في رواية سيف (٢) ، وهي تتحدث عن النخيلة «إذ بالنخيلة قتلى جند مهران». ذلك أن هذه الشهادات الأولية استندت دون شك إلى علامة موجودة في ذلك الوقت ، لا إلى علامات مقبلة ، وتشكل النخيلة محطة أولى على الطريق الداخلية للجزيرة ودمشق وكانت تقع إلى شمالي الشمال الغربي من الكوفة ؛ على أنه يصعب تحديد موقعها تحديدا قطعيا ، ولم يتوفر لنا أي خبر عن بعدها (٣). وبما أنها كانت مرحلة ونقطة توقف (٤) فإنه ينبغي التمسك بفكرة المسافة الدنيا ـ ربما فرسخ. فإما أن هناك خبرين منفصلين انفصالا جذريا وهو الأمر الأكثر رجحانا ، وإما أن هناك تربة مشتركة بينهما. في هذه الحال تكون دار الرزق والنخيلة اختلطتا في فكر شهود لا ينزعون إلى التدقيق إلا قليلا ، ويكون الذي أثر على هذه النظرة هو شعور غامض ببعد دار الرزق عن الكوفة بحيث أن النخيلة والدار وضعتا معا على صعيد ذهني خيالي وبصري واحد. ويتبين من هذا النقاش بالخصوص ، وبالاستناد إلى رواية سيف إجمالا ، وجود شعور مفاده أن دار الرزق تشغل موقعا قصيا في اتجاه الشمال الشرقي ، أعلى بكثير من الجسر ، مع بقائها داخل نطاق الكوفة بالذات وفي محيطها.
حصيلة تصورنا
رأينا أن اقتفاء أثر شبيب أفادنا في التقدم للإحاطة بالتركيبة الطوبوغرافية للكوفة. لقد اندمج أكبر قسم من المشاكل المطروحة ، وما كان يؤمل من نتائج في ثنايا العرض ، نعني موقع قطائع بكر في حزام الخطط ، وتقارب موقع مزينة وسليم ، والأخبار المتوافرة عن تشتت بكر في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي في آن واحد أي أسفل الفرات والبادية ، وتعميق معرفتنا بمنطقة السبخة والجسر ، ودار الرزق ، وأخيرا ملحوظات عن السكك.
هناك بعض النقاط التي تستحق إعادة النظر ، والتثبيت والحسم. وبعبارة أخرى : ما
__________________
(١) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٧٢ ، ولا سيما ما اقتبسه عن ابن اسحاق.
(٢) المرجع نفسه ، ص ٤٧١.
(٣) صالح العلي ، «منطقة الكوفة» ، مقال مذكور ، ص ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٥٦٢ ، وج ٥ ، ص ٧٣ و ٧٨ و ٧٩ ؛ أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ١٦٥ وج ٥ ، ص ٢٠٤ و ٢٠٧ و ٣١٠ ؛ الدينوري ، الأخبار الطوال ، ص ١١٥ و ١٦٥ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ، هذه المادة.