تخيلها مربعة
الشكل أو مستطيلة ، وأنها غطت عرض الخطة كله أو كادت تغطيه ، بعرضها (٨٠ مترا لبني
همدان ، وهي خطة ضيقة لكنها تمددت وقد تجاوزت في الخطط الأخرى هذا الرقم). وامتدت
على الطول بالمقدار نفسه أو يزيد : كانت الجبانة مجالا خاليا ، غير مبني وغير مسيج
بعد ، وهي تحتل ما يقرب من هكتار على الأقل ، وتحد امتداد البناءات في الخطة
القبلية ، فأتاحت بذلك تجمع عدة آلاف من الخلائق.
حصار مصعب للكوفة
ونهاية المختار (٦٧ ه / ٦٨٧)
إن هذه الحلقة
الأخيرة من المأساة تسمح فعلا بمزيد من التطلع ، لا لوظيفة التجميع التي تقوم بها
الجبّانات الرئيسة ، بل لدورها هذه المرة في الإحاطة وكعقدة لمرور البشر والمؤن ،
وصلة أساسية بين المركز والعالم الخارجي. فمن تحكم فيها تحكم في الكناسة والسبخة
ويمكنه خنق القصر والمسجد. وهذا ما فعله جيش مصعب بن الزبير الذي جاء من البصرة
لإنهاء مغامرة المختار ، بعد أن هزم جيشه في المذار.
ولنوضح بعض الأمور
حول السياق السياسي إفادة للقارىء. في سنة ٦٧ ه كان الأمويون قد حلوا قضية الخلافة
داخل الأسرة ، واستردوا الشام ومصر . وكان ابن الزبير يسيطر على الحجاز والعراق ، باستثناء الكوفة تحديدا التي انتزع منها المختار الولاء.
لقد حرض المختار الكوفيين على الانتفاض بإسم الأخذ بثأر الحسين كما بينا ، فاستولى
على الحكم في الكوفة. واعتمد على الموالي مغضبا الأشراف ، الذين ثاروا عليه لكن أجهضت ثورتهم. وعند ذلك ، توخى
المختار سياسة التطرف. وطارد دون هوادة أعداءه وأمر بقتل أسراه كافة. فطارد «قتلة»
الحسين ومنهم عدد من الأشراف الذين فرت عندئذ جماعات منهم واتجهوا إلى مصعب في
البصرة وطلبوا منه النجدة والتعويض عما لحقهم من ضرر . ووجه المختار جيشا إلى الجزيرة لقتال عبيد الله بن زياد
مدبر مقتلة كربلاء ووفق في القضاء عليه.
وترتب عن عمله هذا
تأخير فتح العراق من قبل الأمويين ، فتدخل مصعب الذي كان يريد توحيد العراق تحت
راية ابن الزبير فضلا عن أنه كان مدفوعا إلى ذلك بشدة من طرف الأشراف المهاجرين من
الكوفة. واتجه إلى الكوفة بعد انتصاره في المذار ، على رأس
__________________