تبقى من القصر يطابق القصر الأموي أصلا ، أي ما أنجزه زياد. قام زياد بعمل جليل عظيم شمل عناصر ثلاثة هي الحزام الخارجي والجدار الداخلي وعدة بنايات. لا يقل قياس الحزام الخارجي عن ٢٠ ، ١٦٨ مترا ، للضلع الشمالي الجنوبي ، و ٦٨ ، ١٦٩ مترا للضلع الشرقي الغربي (١). كان بناء من آجر ، ولم يتجاوز سمكه ٤ أمتار ، وقد أحيط ب ٢٣ برجا ، علما أن عبيد الله بن زياد تحصن فيه مع الأشراف ، وأن المختار واجه فيه الحصار. كان حزاما تحصنت وراءه السلطة. فقام بدور رئيسي لصد الانتفاضات. وهناك خصائص مماثلة في الحزام الداخلي منها شكله المربع ومتانة بنائه وقدرته على الصمود. لقد أثبت قصر الكوفة ذاته كحصن منيع ، في حين أن قصر البصرة وتمّ تخريبه وهدمه بسرعة ثم أهمله الولاة ، مع أنه لم يكن موجودا في بداية الأمر أو يكاد ، وزياد نفسه هو الذي بناه من لبن ، فما سبب ذلك؟ (٢) لقد تطابقت هذه الأسوار المتجبرة ومصير الكوفة ، مجهضة بدون تردد كل الثورات ، وأصبحت بمثابة الشخص المركزي في تاريخ مدينة الكوفة.
وفي حين أن القصر الأول ـ قصر سعد ـ تشكل من وحدة واحدة ، انتشر القصر الأموي كمجموعة مركّبة وهو يشتمل على عدة وحدات وبكلام أدق ثلاث مجموعات طولية يشكل مستطيلها المركزي نواة معلمية ، ولم نقدر إلا على الجزم بأن المادة التي أعيد استخدامها تنتمي إلى العصر الأموي الأول (٣). وحتى في هذا المستوى ، لا يمكننا حسم الشيء الذي يعود إلى العصر الأول والشيء الذي يستند إلى العصر الثاني. لكن في مقدورنا تكوين فكرة دقيقة نسبيا عما كان عليه القصر الأموي. يتميّز هذا القصر في الوقت نفسه بانسجام هيئته ـ ولا سيما في المركز ـ وبما كان له من مظهر هو عبارة عن متاهة ملتوية. نجد حجرات كبرى للاستقبال (أبهاء) وإيوانات ألحقت بها أجنحة ، ودورا ، وغرفا مربعة للسكن ، وغرفا طولية ومعابر ، ومداخل ، تشكل معظم هيكليته المعمارية (٤). وتستقطب الانتباه القاعة الكبرى بالمركز ، وكذلك صفوف الأعمدة التي تتصل بها وتنفتح على حجرة مقببة. إنها لتشابهات عجيبة تلك التي تظهر بين إيوان القصر ، ما هو موجود بالاخيضر ، بين الفرع الجنوبي وقصر المشتى (٥). ويسود الرأي أن أسلوب الحيرة هو الذي احتل المرتبة الأولى ، في حين أن بعض العناصر من العصر العباسي الأول مثل الترصيف العمودي
__________________
(١) Ibid.,p.٨٣.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٣٤٤.
(٣) M.A.Mustafa ,Art.cit.,p.٣٥.
(٤) Ibid.,pp.١٤ ـ ٨٤ ,٨٥.
(٥) Ibid.,p.٢٤.