احتله باعة الصابون والتمر آنذاك ، كما قال (١). ولا يعني ذلك حتما أن هذا المجال قد احتله الباعة في بداية الأمر. لكن هناك احتمالات وتخمينات في هذا المعنى. أما اليعقوبي فقد ذكر عبارة رئيسة (٢) أوردها حرفيا حفاظا على ما اكتنفها من لبس : «وجعلت السوق من القصر والمسجد إلى دار الوليد إلى القلّائين إلى دور ثقيف وأشجع».
وما نجهله في هذه المعادلة هو دار الوليد. وباستقراء النصوص ، تكون هذه الدار في قلب سوق القصارين (٣) ، كعلامة معروفة تكاد تكون استثنائية من حيث موقعها وضمن المساحة المركزية قطعا ، وقد أحاطت بها هذه السوق ، لكنها غير بعيدة عن سوق السراجين (٤). وباستثناء هذه الاعتبارات ، فأين يكون موقعها؟ هل يكون بين المسجد والحدود الشمالية للمساحة ، أم إلى الشرق ، أم إلى الزاوية الشمالية الشرقية ، أم إلى الشمال الغربي؟ لا يمكننا الاختيار بين هذه المواقع. على أن معرفتنا بأن «دور ثقيف وأشجع» تقع إلى شمال الصحن ، بالاعتماد على قائمة توزيع القبائل المنسوبة إلى سيف ، مع اتجاه إلى الشرق (ارجع إلى الخارطة) ، تجعل المشكلة تتمثل في معرفة ما إذا صممت السوق على شكل سوق ـ شارع حيث تتوالى الاختصاصات ، الواحد تلو الآخر ، أو على شكل مركّب متشعب ينتشر على مجال واسع. وبذلك تشكل العلامات التي وضعها اليعقوبي ـ وهي المسجد ودار الوليد والقلاؤون وخطط ثقيف ـ في الصورة الأولى مراحل تقع على الخط نفسه. ونحن نعلم أن السوق الكبيرة ، أو ما سيصبح كذلك تمتد على سكة مركزية طويلة ، وهذه خاصية أساسية تميزت بها حواضر إسلامية عديدة. أما الصورة الثانية التي تكتسي في نظرنا صبغة منطقية أكثر ، فتحدد بعلامات رسمها اليعقوبي وتتمخض عن مجال ممتد مثلث الشكل أو مستطيله. وقد اعتمد ماسينيون هذا الحل بالذات بصورة ضمنية (٥) ، وترجم قول اليعقوبي كما يلي : a ? partir du Qasr et du Ja ? mi, d\'un co ? te ? jusqu\'au Da ? r Wali ? d ـ b ـ Uqba, de l\'autre jusqu\'aux Qalla\' ? yin, et de l\'autre jusqu\'aux habitations des Tha ـ qif et Ashja».
وبما أن الخط الرابط بين المسجد والقصر وثقيف معروف (اتجاه شمال / شمال شرقي) ، فإن هناك نقطتين تتعارضان حتما ، الواحدة في الشمال الغربي والثانية في الجنوب الشرقي ،
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤.
(٢) كتاب البلدان ، ص ٣١١.
(٣) صارت في العصر العباسي «دار القصارين» : ابن سعد ، الطبقات ، ج ٦ ، ص ٢٤ ؛ الطبري ، ج ٤ ، ص ٥٣٢ وج ٦ ، ص ٨٩.
(٤) أخبار الدولة العباسية ، ص ٢٦٠.
(٥) Massignon ,op.cit.,p.٩٤.