ذلك العصر (٢٥٢ / ٨٦٦). وقد أشير إلى وجود رحبة بني تميم (١) في البصرة أيضا ، ورحبة القصابين كذلك (٢). وما يهمّنا أكثر هو ما ورد عند الطبري من إشارات متفرقة عن رحبة الكوفة. إنّ الإشارتين الواردتين عنده إلى المصطبة (٣) تدلّان على أن هذه المنصة بناية ثابتة وأنّها قريبة من القصر ، لا على أنها تقع في الرّحبة وهو افتراض لا غير. أمّا الرّحبة فقد وقع التلميح إليها بكامل الوضوح عند دخول شبيب إلى الكوفة (٧٧ / ٦٩٦) ، لكن دون أي تحديد لموقعها. وخلافا لذلك ، يتوفر لدينا نص ينير لنا السبيل جيدا بالنسبة لعصر لاحق (٤) (١٥٩ / ٧٧٦). فماذا يقول؟ يفيدنا أنّ الرّحبة التي تسمّى رحبة المسجد ، كانت موجودة خارج المسجد ، لكن بعد الأبواب مباشرة (ولعلها امتدت آنذاك إلى الجانب الغربي ، لأننا لا نتصور أبوابا تفتح على حائط القبلة). كانت تستخدم كمصلى ، بمعنى أنها كانت موضعا للصلاة في الهواء الطلق. فظهرت بمظهر المكان الملحق ، وكامتداد للمسجد. ومع ذلك ، فقد بقيت مستقلة خارجية عن المسجد حقا. لم يكن لأحد حق إدخال رحائله إليها يوم الجمعة ، ما عدا عيسى بن موسى الذي أقلق من أجل هذا الأمر ، لكن لأسباب سياسية. ولا شك أن هذا النص يصوّر لنا فترة متأخرة ، وزمانا ضاق المسجد فيه كثيرا على السكان ، كما تغيرت فيه أمور عدّة في حياة الكوفة. والأرجح أن الرّحبة كانت ساحة واسعة في الأصل ، محيطة بالقصر والمسجد وكانت تقوم بدور غير واضح في بداية الأمر ، لكنها كانت لا محالة فضاء ضروريا للمرور بين المسجد وخطط القبائل البعيدة عنه. فالنص الذي بين أيدينا واضح وهو يذكر أن «أفواه السكك» كانت تبدأ حيث تنتهي الرّحبة (٥). هنا كانت تتقاطر أفواج الفرسان القادمين للصلاة ، من جهة المسجد. ولا شك أنهم كانوا يربطون بها أفراسهم قبل الدخول إلى المسجد ، ولعل سلوك عيسى بن موسى الذي ينمّ عن روح امتياز وتكبر ، أراد إحياء عمل قديم صار باليا بتطور الزمن. أما من جهة القصر ، علما بأنّ الرّحبة كانت تمتد إلى الجنوب الغربي ، فقد رجح المظهر العسكري السياسي ، ونشر جهاز الحكم مباهجه فيها. وعلى هذا ، يتمثل دور الرّحبة إجمالا في قطبين نفعيين جدا. ثم إن كفة المسجد رجحت بمرور الزمن ، فلم تبق سوى رحبة المسجد ، التي تحولت هي ذاتها إلى مسجد.
إن المقارنة بمدينة بغداد في عصر المنصور ، سوف تخولنا مزيدا من التدقيق في وظيفة الرّحبة ، بحيث نتجاوز نص سيف. نجد في هذا المجال معلومات دقيقة عند اليعقوبي (٦) ،
__________________
(١) المرجع نفسه ، ج ٥ ، ص ٥١٨.
(٢) المرجع نفسه ، ج ٥ ، ص ٥٠٦.
(٣) الطبري ، التاريخ ، ج ٦ ، ص ٤٧ وج ٥ ، ص ٢٤١. أخطأ ماسينيون في المراجع.
(٤) المرجع نفسه ، ج ٨ ، ص ١٢٢.
(٥) الطبري ، ج ٨ ، ص ١٢٢ ؛ وأنساب الأشراف ، ج ٥ ، ص ٢٣٩.
(٦) كتاب البلدان ، ص ٢٤٠. يبدو أنه كان للرّحبة موضع مركزي ، وأنها كانت محاطة دائريا وعن بعد دون شك ،