عن يمين ذلك إلى منقطع رحبة علي بن أبي طالب عليه السلام والرّحبة قبلته ثم مد به فكانت قبلة المسجد إلى الرّحبة وميمنة القصر» (١).
وهذا يعني أنها تمتد إلى الجنوب الغربي من المسجد وإلى غرب القصر.
ماذا كانت تمثل الرّحبة؟ إذا ما صدقنا سيفا ، فلا بد أنها كانت تحتل الزاوية التي يحددها الحائط الجنوبي للمسجد والحائط الموجود غرب القصر. والرّحبة ظاهرة مدنية عادية تتمثل في ترك فضاء ما أمام البنايات العمومية. أمّا أن يقع الاختيار على مكان يتواجد فيه أو يتواصل المسجد والقصر ، بمعنى المكان الذي يشتركان فيه ، إن صح القول ، فهو أمر طبيعي جدّا.
إنه الخلاء المفتوح انفتاحا كاملا ، وهو يذكّر بالساحة العامةagora عند اليونان ، وبالميدان عند الفرس ، وبالساحة العامةForum عند الرّومان. ويمكن أن يذكّرنا كذلك بالساحة الحمراء أو بساحة تيان آن من : هذه ظاهرة عالمية مستمرة بصورة ملحوظة عبر الزمان. وقد ارتبطت الرّحبة في المصادر باسم عليّ ، لأن عليّا كان يسكن فيها (في بيت من قصب ، كما ذكرت إحدى الروايات) ، ولأنّه ترك القصر مدّة ، ليس لأنه أسس الرحبة التي كانت سابقة له. وقد جعل منها ماسينيون فرعا أو إفرازا للقصر ، وماثلها بالميدان ، «الميدان الذي كان يفتح عليه القصر غربا (بمصطبة مركزية كانت تعد خلال الاحتفالات الكبرى) ، وقد تسمى أيضا رحبة عليّ» (٢). والواقع إذا كان للرّحبة أن تلعب دور المكان المخصص للاحتفالات العسكرية ، واستعراض الجيوش ، فإنها تظهر بالأخص امتدادا للمسجد. ولعلها صارت كذلك ، لأن الشهادات التي وصلت إلى علمنا متأخرة. وبالفعل ، ظهرت رحاب المسجد في الحواضر الإسلامية الكبرى خلال القرنين الأول والثاني للهجرة. فكانت توجد بالمدينة رحبة القضاء للتحكيم الذي تم على يديّ عبد الرحمن بن عوف ، بين عثمان وعليّ سنة ٢٣ ه / ٦٤٤ ، وقد كانت ملاصقة للمسجد (٣). وفي سنة ١٤٥ ه / ٧٦٢ ، وقعت فتنة بالمدينة أيضا ، فأمر الوالي الرجال المسلحين الذين قدموا لنجدته بأن يترقبوا طلوع النهار ليشرعوا في قمع العصاة ، وأن يحطوا الرحال بالرّحبة (٤). وفي بغداد اجتمع بعض الأشخاص وقرروا الانتفاض في رحبة الجامع (٥) ، داخل المدينة التي تميزت عن الأرباض في
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٦.
(٢) Massignon ,art.cit.,p.١٥.
(٣) الطبري ، التاريخ ، ج ٤ ، ص ٢٣٧.
(٤) المرجع نفسه ، ج ٧ ، ص ٥٥٤.
(٥) الطبري ، التاريخ ، ج ٩ ، ص ٣٥٨.