زيادة وتفصيل :
ا ـ «أنّ» ـ مفتوحة الهمزة ، مشددة النون ـ معناها التوكيد ـ كما شرحنا (١) ـ وهى مع اسمها وخبرها تؤول بمصدر معمول لعامل محتاج له ، فمن الواجب أن يكون الفعل ـ وغيره مما هى معمولة له ـ مطابقا لها فى المعنى ؛ بأن يكون من الألفاظ الدالة على العلم واليقين (٢) ؛ لكيلا يقع التعارض والتناقض بينهما (أى : بين ما يدل عليه العامل ، وما يدل عليه المعمول) وهذا هو ما حرت عليه الأساليب الفصيحة حيث يتقدمها ما يدل على اليقين والقطع : مثل : اعتقدت ، علمت ، ووثقت ، تيقنت ، اعتقادى ... ولا يقع قبلها شىء من ألفاظ الطمع ، والإشفاق ، والرجاء ... مثل : أردت ، اشتهيت ، وددت ... وغيرها من الألفاظ التى يجوز أن يوجد ما بعدها أو لا يوجد ؛ والتى لا يقع بعدها إلا «أن» الناصبة للمضارع. وهذه لا تأكيد فيها ولا شبه تأكيد ؛ فتقول أرجو أن تحسن إلى الضعيف ، وأرغب أن تعاون المحتاج. وكالتى فى الآية الكريمة : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ.)
وما ذكرناه فى «أنّ» المشدّدة يسرى على : «أنّ» المفتوحة الهمزة المخففة من الثقيلة ؛ فكلاهما فى الحكم سواء ، نحو قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى.)
ومن الألفاظ ما لا يدل على اليقين ولا على الطمع والإشفاق ولكن يقع بعده «أن» المشددة والمخففة الناسختان كما يقع بعده «أن» التى تنصب الفعل المضارع.
وذلك النوع من الألفاظ هو ما يدل على الظن ؛ مثل : ظننت ، وحسبت ، وخلت.
ومعنى الظن : أن يتعارض الدليلان ، ويرجح أحدهما الآخر. وقد يقوى الترجيح فيستعمل اللفظ بمعنى اليقين ؛ نحو قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ،) وقد يضعف حتى يصير مشكوكا فى وجوده : كأفعال الرجاء والطمع وألفاظهما الأخرى (٣) ...
ب ـ لا تكون «أنّ» (المفتوحة الهمزة. المشدة النون) مستقلة بنفسها مع معموليها : فلا بد أن تكون معهما جزءا من جملة أخرى (٤) ... غير أنه لا يجوز
__________________
(١) فى رقم ٢ من ص ٥٧١ ثم ٧١٥ راجع تفصيل هذا فى ص ٦١٥. وقد سبقت الإشارة إلى «أن» المصدرية مع نظائرها من الحروف المصدرية فى ص ٣٦٨.
(٢) كما سبق فى رقم ٢ من هامش ص ٥٧١.
(٣) كما أوضحنا فى ص ٥٨١.