إنّما كان يعصر عنبا تؤول عاقبته إلى أن يكون خمرا فسّماها بذلك ، وحكى الأصمعيّ (١) عن المعتمر بن سليمان (٢) أنّه قال : لقيني أعرابيّ ومعه عنب ، فقلت له : ما معك؟ فقال : خمر. وهذا هكذا مجازه عند أهل العربيّة أنّ العرب قد تسمّي الشيء باسم الشيء / إذا جاوره ، أو ناسبه ، أو اتّصل به ، أو آلت إليه عاقبته (٣) ، فقد زعم من لا علم له بالعربيّة ومعرفة أساليبها واتّساع العرب فيها أنّ الخمر هاهنا هو العنب نفسه ، ضعفا منه عن تخريج وجهه من كلام الفصحاء منهم وإلحاقه بما يعرفون الخطاب به ، ولو كان هذا جائزا في اللغة لكان من أكل العنب قد أتى ما حظره الله عليه من تحريم الخمر ، وقد خاطب الله تعالى ذكره العرب وأصحاب النبيّ صلّى الله عليه بذلك فعقلوا المراد به ، ولم يحمل عن أحد منهم أنّ المراد بالتحريم العنب ،
__________________
(١) هو عبد الملك بن قريب ، كان راوية لغويا عالما بالشعر ، روى أبو الطيب اللغوي عن الفراء أنه قال عنه : كان أتقن القوم اللّغة وأعلمهم بالشعر وأحضرهم حفظا.
مات سنة ٢١٦ ه. وترجمته مفصّلة في مراتب النحويين : ٤٦ وإنباه الرواة ٢ : ١٩٧ ، وفي كتاب (الأصمعي ، حياته وآثاره) للدكتور عبد الجبار الجومرد.
(٢) برع في الحديث ، وروى عنه ابن حنبل ، عاش في البصرة ومات سنة ١٨٧ ه.
(٣) وقد تسمي الشيء باسم جزء منه ، وتسمي الجزء باسم الشيء كله ، وقد تسمي الشيء باسم سببه ، وتسمي السبب باسم المسبّب ، ... وانظر علاقات المجاز المرسل في كتب البيان.