المخاطب بمضمون الخبر أو شكه فيه أو إنكاره له هو ما يقتضيه الظاهر. ولكن إيراد الكلام أو الخبر لا يكون دائما وأبدا جاريا على مقتضى الظاهر ، فقد تجدّ اعتبارات تدعو المتكلم إلى أن يورد الكلام أو الخبر على صورة تخالف الظاهر ، أو على صورة تخرج به عن مقتضى الظاهر كما يقول البلاغيون.
ومن الاعتبارات التي يلحظها المتكلم وتدعوه إلى الخروج بالكلام عن مقتضى الظاهر ما يلي :
١ ـ أن ينزّل خالي الذهن منزلة المتردد الشاكّ إذا تقدم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر ومضمونه. ومن هذا الضرب من الكلام قوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ).
فالمتأمل في هذه الآية الكريمة يجد أن المخاطب بها خالي الذهن من الحكم أو من مضمون قوله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ،) ولكن هذا الحكم لما كان مسبوقا بجملة (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ،) وهي في مضمونها تشير إلى أن النفس محكوم عليها بشيء غير محبوب أو مرغوب فيه ، أصبح المخاطب بقوله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) متطلعا إلى نوع هذا الحكم ، الذي يجهله ولا يدري حقيقته ، ومن أجل ذلك نزّل هذا المخاطب منزلة المتردد الشاكّ ، وألقي إليه الخبر مؤكدا استحسانا.
ومن أمثلة هذا النوع من التنزيل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) وقوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وقوله تعالى أيضا : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ).
ومن أمثلته في الشعر قول عنترة :
لله درّ بني عبس لقد نسلوا |
|
من الأكارم ما قد تنسل العرب |
وقول أبي الطيب المتنبي :
ترفق أيها المولى عليهم |
|
فإن الرفق بالجاني عتاب |