وكانت في
حياتك لي عظات
|
|
وأنت اليوم
أوعظ منك حيا
|
فكلا الشاعرين
هنا لا يقصد أيّا من المعنيين اللذين يدل عليهما الخبر بأصل وضعه ، وإنما يقصد إلى
معنى آخر يستشفه اللبيب ويلمحه من سياق الكلام ، هو في بيت أبي فراس الفخر بمكارمه
الكثيرة وكرمه ، وهو في بيتي أبي العتاهية إظهار التحسر والأسى على فقد ولده وفلذة
كبده.
وكذلك الشأن
بالنسبة لأساليب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والنداء ، فقد يخرج كل منها عن
معناه الأصلي لغرض بلاغي بديع ، أراده المتكلم من الخروج عما يقتضيه ظاهر الكلام ،
كالخروج بالأمر عن أصل وضعه مثلا لإفادة التعجيز ، وبالنهي لإفادة الدعاء ،
وبالاستفهام لإفادة التعجب.
وليس من غرضنا
هنا التعرض بالشرح لكل أساليب المعاني وتوضيح المعنى أو المعاني التي تستفاد من كل
منها ضمنا بمعونة القرائن ، وإنما أوردنا ما أوردنا منها على سبيل المثال لا
الحصر.
ولعل فيما
أوردناه كفاية لبيان ما لعلم المعاني من أثر في بلاغة الكلام ، وإقناعا لكل راغب
بقيمة دراسة أساليب علم المعاني المختلفة والإفادة منها في الارتفاع بأسلوب إنشائه
من ناحية ، وفي الحكم على جيد الكلام ورديئه من ناحية أخرى.
* * *
والآن نشرع في
دراسة مباحث علم المعاني دراسة تفصيلية ، ونبدأ أول ما نبدأ بالكلام بين الخبر
والإنشاء.
* * *