الشهيد في الإسلام المقدس بدار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم تسمع أذن الدنيا قبل هذا ، أن ينعقد لمولود ـ غير وليد الزهراء الصديقة في بسيط الأرض ـ مأتم حين ولدته أمه بدلاً من حفل السرور والحبور والتباشير. ولم يقرع قط سمعاً نبأ وليد ينعى به منذ إستهلاله ، حين قدم مستوى الوجود ، بدل نشيد التهاني ، ويذكر من أول ساعة حياته حديث قتله ومقتله ومصرعه.
ولم ينبئ التاريخ من لدن آدم إلى الخاتم ، عن وليد يهدى إلى أبيه عوض هدايا الأفراح تربة مذبحه ، حتى يتمكن منه الحزن في أعماق قلبه وحبة فؤاده. فكأنّ يوم ولادة الحسين له شأن خاص لدى الله العلي العظيم ، ذلك تقدير العزيز العليم ، لم يقدره يوم سرور لآل الله ـ أهل البيت الطاهر ـ وكأنّ الأسى تاءمه في الولادة ، فكدّر صفو العيش ، ونَغّص طيب حياتهم ، واجتث من تلكم البيوت التي أذن الله أن ترفع ، ويذكر فيها اسمه أصول المسرة ، وجعلها لأهلها دار الحزن.
إنّ وفود الملائكة تهبط بإذن ربها يوماً بعد يوم ؛ ومرة بعد أخرى ، في وقت محيّن ، وميعاد معيّن ، وتنعى الحسين العزيز ، ويجدد تأبينه فلاً بعد حفل ، والمأتم ينعقد في بيوت أمهات المؤمنين ، وقد أبكى الله عيون نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه والصحابه الأولين على الحسين ، وتربة كربلاء تنتقل من يد إلى يد ، وأخذت في قارورة كرمز ناطق عن الشهيد المفدى ، في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بمشهد من الكل ومنظر» (٤٠٢).
__________________
(٤٠٢) ـ الأميني ، الشيخ عبد الحسين أحمد ، سيرتنا وسنتنا / ٤٣ ـ ٤٨. (بتصرف).