وإن رجعت إلى
الخصائص الخلقية ، والفضائل النفسية ، والدينية ، وجدته ابن جلاها وطلّاع ثناياها .
* * *
يطول بنا المقام
في هذا الجانب وحده ، لو تحرينا التحدث فيه بصورة وافية لافتقاره إلى صفحات وأوراق
ومجلّدات ، لوفور النصوص والأدلة في هذا المجال ، فهي كبقية جوانب شخصيته (عليه
السلام) ، خارجة عن قوّة التحدّث ، ومناعة البيان الإنساني ، وبعيدة التوصّل إلى
نهايتها ، وغورها وهذه ظاهرة متأصلة في ذات أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا ترانا
في حاجة إلى التدليل عليها ، بعد أن وقف العالم خلال القرون المتطاولة منذ وفاة
النبي الأقدس (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تجاهه ذاهلا ، والها حائرا لم يتمكن أن
يقول فيه كلمته الأخيرة ، أو يصفه بالكلمة الخليقة بشأنه ، لأنّ العقلية البشريّة
قاصرة عن معرفة ذاته ، والتوصل إلى كنهه ، والوقوف على طبيعته المختمرة بالقيم
الخلقية ، والخصائص النفسية ، والمثل الإنسانية المتكاملة التي لم يشاهدها العالم
في غيره ، بعد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد استدل بهذا حين عبّر
عن نفسه بقوله الصادق المصدّق : «ينحدر عنّي السّيل ولا يرقى إليّ الطّير».
والواقع أنّ شخصية
الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، خليقة بكلّ تقديس وتعظيم وتكريم ، وجديرة
بالخضوع والخشوع والمحبة والإخلاص ، والولاء والمودّة ، لكونه أمة بمفرده ، يمتاز
بخلقه وأخلاقه ، وعلومه ، ومعارفه ، وشجاعته ، وحكمته ، وبسالته ، وصبره ، ونضاله
، وشهامته ، وفتوّته ، وإخلاصه ، وسياسته ، وعدله ، وإحسانه ، وعبادته ، وزهده ،
وشفقته ، وبرّه ، وحسن تربيته ، وسخائه ، وجوده ، وسماحه ، وتواضعه ، وحلمه ،
وصفحه ، وفصاحته ، وبلاغته ، وحكمه ، وجهاده في سبيل الله ، ودعواته ، ومناجاته ،
وقراءته القرآن ، واشتغاله به ، وبأجوائه وآفاقه ، وبجوانبه الخلقية ، فقد كان في
كافة هذه الخصائص والسجايا ، الإمام المتبع فعله ، والرئيس المقتفى أثره ... ولم
يعهد العالم وجود سجية واحدة منها عند واحد من الصحابة والتابعين على كثرتهم ، غير
ذات أمير المؤمنين
__________________