ونتساقط على ناره كالفراش (١) ، ونوسد (٢) على موصد بابه كلاب (٣) الهراش (٤) ، وإنما هو الظفر أو المنون ، وإذا أخذنا البلد فما بعده يهون ، وكان هذا يوم الجمعة الحادي عشر لصفر ، (١١ صفر ٦٢٧ ه) ، وقد وطن على الموت من أزمع السفر إلى سقر.
فلما كان يوم السبت / ٤٤ / قاتلوا البلد كما عزموا وزعموا (٥) ، وملأوا دلاء البلاء وأفعموا ، وساورت اللّيوث المغتالة ، وتسوّر مواضع الهدم الرّجالة ، وكان يوما أيأس من السلامة ، وأذكر بهوله هول يوم القيامة (٦) ، وقاتل أهل الأحد في يومهم وهو الثاني ، وتذامروا على التواني ، ووسّعوا ما تثلم من تلك المباني ، وزحفوا عن آخرهم ، وتحملوا الحديد في باطنهم وعلى ظاهرهم ، وشدّوا على المشيد فهشموه ، وكرّوا على ما دعّموا فأعدموه ، وعارضوا من صدّهم فصدموه ، ووصلوا القتال بالّليل ، وتطاردوا تحته كالسيل ، وتطارحوا على البلد رجّالة وعلى الخيل.
__________________
(١) الفراش : دواب مثل البعوض تطير ، واحدتها فراشة. وقيل : الفراش ما تراه كصغار البق يتهافت في النار. قال تعالى : (" يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ") ، شبه الله عز وجل الناس يوم البعث بالجراد المنتشر وبالفراش المبثوث لأنهم إذا بعثوا يموج بعضهم في بعض. وهو تشبيه تمثيلي شبّه فيه المؤلف حملة النصارى على المدينة بهذه الدواب. لسان العرب ، ج ٦ ، ص ٣٣٠.
(٢) أوسد الكلب : أغراه بالصيد. لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٤٦٠.
(٣) تشبيه بليغ للمقاتلين النصارى بكلاب الهراش مع حذف أداة التشبيه ووجه الشبه الذي يتعلق بشدّة المقاتلين وإقبالهم على الحرب.
(٤) الهراش والاهتراش : تقاتل الكلاب. والهراش والمهارشة بالكلاب وهو تحريش بعضها على بعض. والتهريش : التحريش ، وكلب هراش. وفي المثل : إنك لا تهرش كلبا. يضرب لمن يحمل الحليم على التوثب. لسان العرب ، ج ٦ ، ص ٣٦٣. الميداني ، مجمع الأمثال ، ج ١ ، ص ١٠٢.
(٥) جناس ناقص بين" عزموا وزعموا".
(٦) كناية عن هول ذلك اليوم ومقدار الخوف الذي تركه في النفوس.