قصّة الحصار وما حفظ فيه من الأخبار
وارتحل النصارى إلى المدينة ، ونزلوا منها على الحريبة (١) الحزينة ، وأحاطوا بها في الكثر والقل (٢) ، ونزلوا عليها من جهة باب الكحل (٣) ، فضربوا الأخبية وضمّوها ، وأكملوا أهبة النّزل وأتمّوها ، ورتبوا فرسانهم ورجّالتهم ، وأقبلوا بالسفن فجعلوها في البحر قبالتهم ، فملأت ذلك المهرق (٤) سطورها ، وأرخيت على وجه الماء ستورها. وكان الشتاء عن نابه قد كشّر (٥) ، والفصل لملاء غيمه قد نشر ، والوقت مظنّة / ٣٠ / ارتجاج البحر العجاج ، وإقبال أفواج
__________________
(١) الحرب : أن يسلب الرجل ماله. حربه يحربه إذا أخذ ماله ، فهو محروب وحريب. وحريبته : ماله الذي يسلب منه. وقيل : حريبة الرّجل : ماله الذي يعيش به. والجمع حرائب. وفي حديث بدر ، قال المشركون أخرجوا إلي حرائبكم. وفي حديث المغيرة : طلاقها حريبة ، أي له منها أولاد ، إذا طلقها حربوا وفجعوا بها ، فكأنهم قد سلبوا ونهبوا. لسان العرب ، ج ١ ، ص ٣٠٤. وقد جاءت هذه العبارة في النص الذي نقله المقري في النفح على النحو التالي : " الحربية الحزنية" ، وهو تصحيف زاد العبارة غموضا ، وقد استشكلت على شكيب أرسلان فأخطأ في التعليق عليها ، الحلل السندسية ، ج ٢ ، ص ٢٤٦ ، الهامش رقم ١.
(٢) طباق الإيجاب بين" الكثر والقل".
(٣) باب الكحل : أحد أبواب مدينة ميورقة وكان يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة ، ومنه كان اقتحامها بعد الحصار من طرف الغزاة. وسمي فيما بعد باسم باب المهاجم ثم الباب المدهون وفي نهاية القرن ١٩ م أطلق عليه اسم باب الركن. هذا وقد كان لسور مدينة ميورقة في نهاية عهدها الإسلامي ثمانية أبواب وهي : باب الكحل ، باب البلياط ، باب الشراجب ، باب الغدر (جمع غدير) ، الباب الجديد ، باب المدى ، باب البلد ، الباب الغربي. ألبارو كامبانير ، تخطيط تاريخ للحكم الإسلامي في جزر البليار. ص ١٨٧.
(٤) المهرق : الصحيفة البيضاء يكتب فيها ، والجمع المهارق ، وهي كلمة فارسية معربة. وقيل : المهرق ثوب حرير أبيض يسقى الصمغ ويصقل ثم يكتب فيه. قال حسان :
كم للمنازل من شهر وأحوال |
|
لآل أسماء مثل المهرق البالي |
والمهرق : الصحراء الملساء تشبيها لها بالصحيفة. لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٣٦٨.
(٥) استعارة مكنية شبّه فيها المؤلف الشتاء بالحيوان المفترس كالأسد والذئب وغيرهما ، وقد حذف المشبّه به وترك أحد لوازمه يدل عليه وهو الناب.