الباب الثالث
: في الرضا
قال الله تعالى : ( لكيلا تأسوا على ما
فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم )
( رضي
الله عنهم ورضوا عنه ) .
إعلم أن الرضا ثمرة المحبة لله ، من أحب
شيئاً أحب فعله والمحبة ثمرة المعرفة ، فإن من أحب شخصاً إنسانياً لا شتماله على
بعض صفات الكمال أو نعوت الجمال ، يزداد حبه له كلما زاد به معرفة وله تصوراً.
فمن نظر بعين بصيرته إلى جلال الله
تعالى وكماله ـ الذي يطول شرح تفصيل بعضه ، ويخرج عن مقصود الرسالة ـ أحبه ،
والذين آمنوا أشد حباً لله ، ومتى أحبه استحسن كل أثر صادر عنه ، وهو يقتضي الرضا.
فالرضا ثمرة من ثمرات المحبة ، بل كل
كمال فهو ثمرتها ، فإنها لما كانت فرع المعرفة استلزم تصور رحمته رجاؤه ، وتصور هيبته
الخشية له ، ومع عدم الوصول إلى المطلوب الشوق ، ومع الوصول الأنس ، ومع إفراط
الأنس الإنبساط ، ومع مطالعة عنايته التوكل ، ومع استحسان ما يصدر عنه الرضا ، ومع
تصور قصور نفسه في جنب كماله وكمال إحاطة محبوبه به وقدرته عليه التسليم إليه ،
ويتشعب من التسليم مقامات عظيمة ، يعرفها من عرفها ، وينتهي الأمر به إلى غاية كل
كمال.
واعلم ان الرضا فضيلة عظيمة للإنسان ،
بل جماع أمر الفضائل يرجع إليها ، وقد نبه الله تعالى على فضله ، وجعله مقروناً
برضا الله تعالى وعلامة له ، فقال : (
رضي
الله عنهم ورضوا عنه )
( ورضوان
من الله أكبر )
وهو نهاية الاحسان ، وغاية الإمتنان.
وجعله النبي صلىاللهعليهوآله دليلاً على الايمان ، حين سأل طائفة من
أصحابه ، « ما أنتم؟ » قالوا : مؤمنون ، فقال : « ما علامة إيمانكم؟ » قالوا نصبر
على البلاء ، ونشكر عند الرخاء ، ونرضى بمواقع القضاء ، فقال : « مؤمنون ورب
الكعبة » .
__________________