والثانية : لما أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه العين ، وكان في ذلك أيضا ظهور المعجزة بحياة الشهداء ، فقد أسند ابن الجوزي في مشكله عن جابر قال : صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه العين ، فأخرجناهم بعد أربعين سنة تتثنّى أطرافهم لينة أجسادهم ، وفي بعض طرقه : كأنهم نوّم ، حتى أصابت المسحاة قدم حمزة بن عبد المطلب فانبعث دم.
والثالث : لحفر السيل عنه وعن صاحبه.
وقد روى الواقدي أن قبرهما كان مما يلي السيل ، فحفر عنهما وعليهما نمرتان ، وعبد الله قد أصابه جرح في يده فيده على جرحه فأميطت يده عن جرحه فانبعث الدم ، فردت إلى مكانها فسكن الدم ، قال جابر : فرأيت أبي في حفرته فكأنه نائم ، وبين ذلك ست وأربعون سنة.
قال : ويقال : إن معاوية لما أراد أن يجري الكظامة نادى مناديه بالمدينة : من كان له قتيل بأحد فليشهد ، فخرج الناس إلى قتلاهم ، فوجدوهم رطابا يثنون ، فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فانبعث دم ، فقال أبو سعيد الخدري : لا ينكر بعد هذا منكر ، ووجد عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح في قبر واحد فنقلا ، وذلك أن القناة كانت تمر على قبرهما ، ولقد كانوا يجهزون التراب فحفروا ثره من تراب فاح عليهم ريح المسك.
قلت : وفيه مخالفة لما تقدم عن الصحيح ؛ لاقتضائه بقائهما في قبر واحد حتى كان إجراء العين ، وفي ذلك كله ظهور المعجزة ، وهو السر في تكرر ذلك.
وروى ابن شبة عن أبي قتادة قال : أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه في الجنة؟ قال : نعم ، وكانت عرجاء ، فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ، فمر النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : كأني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد.
قال أبو غسان : قال الواقدي : مع عمرو في القبر خارجة بن زيد ، وسعد بن الربيع ، والنعمان بن مالك ، وعبد الله بن الحسحاس ، قال أبو غسان : وقبرهم مما يلي المغرب من قبر حمزة رضي الله تعالى عنه نحو خمسمائة ذراع.
قال : وأما ما يعرف اليوم من قبور الشهداء فقبر حمزة بن عبد المطلب ، وهو في عدوة الوادي الشامية مما يلي الجبل ، وقبر عبد الله بن حرام أبي جابر ومعه عمرو بن الجموح أي في الموضع المتقدم وصفه ، وقبر سهل بن قيس بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد من بني سلمة وهو دبر قبر حمزة شاميا بينه وبين الجبل.