الفصل الرابع عشر
في زيادة عثمان بن عفان رضياللهعنه
روينا في صحيح
البخاري وسنن أبي داود عن نافع أن عبد الله ـ يعني ابن عمر ـ أخبره أن المسجد كان
على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم مبنيا باللبن ، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل ، فلم يزد فيه
أبو بكر شيئا ، وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا ، ثم غيره عثمان فزاد
فيه زيادة كبيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة ، وسقفه بالساج.
وروى أبو داود أيضا
ـ وسكت عليه ـ عن عطية عن ابن عمر رضياللهعنهما قال : إن مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من جذوع النخل ، أعلاه مظلل بجريد النخل ، ثم إنها نخرت في
خلافة أبي بكر رضياللهعنه فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل ، ثم إنها نخرّت في خلافة
عثمان رضياللهعنه فبناها بالآجر ، فلم تزل ثابتة حتى الآن ، هكذا رأيته في
أصول متعددة معتمدة من السنن ، وأورده المجد بلفظ : ثم إنها نخرت في خلافة عمر ـ بدل
أبي بكر ـ ولم أره في شيء من النسخ.
وفي هذا الخبر ما
يقتضي أن السبب في بناء عثمان للمسجد كون الجذوع التي هي السواري نخرت ، وأن عثمان
بناها بالآجر لا الحجر ، فلعل البعض كان في زمنه مبنيا بالآجر وهو بعيد ، وما تقدم
من رواية الصحيح أصح.
وفي صحيح مسلم عن
محمود بن لبيد أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد ، فكره الناس ذلك ، وأحبوا أن
يدعه على هيئته ، فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من بنى «مسجدا لله» بنى الله له في الجنة مثله.
وفيه وفي البخاري
عن عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول :
إنكم قد أكثرتم ، وإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من بنى
مسجدا لله عزوجل ، الحديث.
وقوله في الرواية
الأولى إن عثمان أراد بناء المسجد يبين أن المراد من قوله حين بناء المسجد حين
أراد بناءه ، إلا أن يكون ذلك قد تكرر من عثمان لتكرر كلامهم قبل البناء وبعده ،
وهو الأقرب ، وقوله «وأحبوا أن يدعه على هيئته» أي بجذوع النخل واللبن كما فعل عمر
رضياللهعنه لموافقته لفعله صلىاللهعليهوسلم ، ولهذا قال البغوي في شرح السنة : لعل الذي كره الصحابة
من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة ، لا مجرد توسيعه ، اه. ويؤيده ما سيأتي من
__________________