الخوارج قيام إمارات منشقّة إمّا خارجية وإمّا أسّسها آل البيت. وهذا أمر إيجابي جدا في تاريخ المغرب الإسلامي وذو أهمية كبرى على الرّغم من تفتيته لوحدة دار الإسلام. وهنا لا بدّ من وقفة.
لقد تحدّثنا آنفا عن تكوين إمارة سجلماسة الصّفرية وهي أوّل إمارة خارجية مستقلّة فوق أرض المغرب. وزيادة على كونها قلعة خارجية منتظمة ، ستلعب سجلماسة دورا كبيرا في المستقبل كمحطّة تجارية نحو إفريقيا السّوداء وأيضا كملجأ لعبيد الله المهدي الفاطمي. لكنّ تأسيس إمارة تاهرت الإباضية كان أعظم أثرا ، لامتداد دورها وفعالياتها على جزء شاسع من جنوب بلاد المغرب قاطبة. وقد كانت الفرقة الإباضية التي قامت بإيجادها متسيّسة ومتوغّلة في الفقه الخارجي الإباضي كما رأينا ، يعني أكثر عقلانية من سواها. لقد يئس الخوارج من تكوين مملكة في المغرب كلّه بسبب المقاومة العربية ولأنّ همّهم كانت الثورة والصّراع الحربي وأخيرا لأنّ القبائل لم تكن لتتّفق بسهولة على إمرة وعلى خطة.
والآن ، بعد زمن الحرب جاء زمن التأسيس الحضاري والرّضوخ للواقع أي تخفيف حدّة الطموح المنبني على الحماس.
لقد كان عبد الرحمان بن رستم الذي بويع بالإمامة في تاهرت سنة ١٦٢ ه العضد الأيمن لأبي الخطاب ذاك القائد الإباضي الكبير عسكريا وسياسيا ودينيا. وقد خلفه على إمرة القيروان وساس البلاد بذكاء ، ولم يكن الخوارج يعيرون اهتماما للأصل الإثني لقادتهم : فأبو الخطاب كان على الأرجح مولى لمعافر ومتعرّبا وعبد الرحمان كان من أصل فارسي وهو متعرّب ومتضلّع في الدّين على المذهب الإباضي ؛ وهذا يؤهّله أكثر من غيره للإمامة بسبب وضعه المتحرّر من أيّة عصبية قبلية بربرية ، ودون شك بسبب قدراته.
وقد اختطّت تاهرت في سنة ١٦١ ه في الشّق الغربي للمغرب الأوسط على نمط الأمصار الإسلامية ، ولعلّ البصرة كانت هي المثال.
وكانت تنزل حول تاهرت قبائل من هوّارة ولواتة ومكناسة ومزاتة ولمّاية