الجباية. وأخيرا ، إذا كان العامل يتقمّص الوظيفة العسكرية ، فلا يمكن أن توجد في تونس ثنائية بين عامل عسكري وآخر مدني ، فالسلطة كانت موحّدة في إفريقية كما في كامل المغرب ـ حتّى في السوس الأدنى حسب المصادر (١) ـ في جانبيها العسكري والمدني. وأن يكون العامل قائدا عسكريا ذا مهارة ، فلا يعني ذلك أنّ الجيش كجسم متخصّص ابتلغ وظيفة العامل عن طريق قوّاد يمثّلونه وإلّا لما حصلت انتفاضات الجند. كلّ عامل يمثّل السلطة السياسية في مجملها ، إنّما من بدء الوجود العربي في المغرب بل في كل دار الإسلام ، ما هو سياسي ، إضافة إلى الشرعية ، يكون بالضرورة عسكريا أي قادرا على تولّي القيادة وهذا آت من ماهية عملية الفتح ذاتها.
مع هذا ، في بعض الكور وفي أوائل الفترة الأغلبية ، نجد في مقاطعة واحدة مدينة لإقامة العامل وأخرى لإقامة القيادة العسكرية الجهوية أو على الأقلّ تضمّ الحامية (٢). لكن في الجملة تلحظ في إفريقية الكبرى نفس التطوّر الذي حدث قديما في العهد البيزنطي (٣) تحت ضغط الظروف وتكاثر الثورات وهو أنّ" الدّوقات" (ج. دوق) نجحوا في انتزاع أغلب مهامّ الpraesides المدنيين ، ويعني هذا غرس تفوّق الوظيفة العسكرية على الوظيفة المدنية.
وإذا كانت معلوماتنا منقوصة عن هذا التطوّر في مستوى الكورة ، ففي مستوى الولاية والولايات الكبرى التي تحت رعايتها ، اتّضحت الأولوية العسكرية أكثر فأكثر واعتمدت في تعيين الولاة وتنظيم السلطات.
__________________
(١) ابن خلدون ، العبر ، ترجمة فرنسيةHistoire des Berbery ، ج ١ ، ص ٢٣٧. يقول إنّ ابن الحبحاب وجّه ابنه إسماعيل ليحكم السوس وما تلا هذه الكورة من الجهات.
(٢) اليعقوبي ، بلدان ، ترجمة فيات Wiet ، ص ٢١٤.
(٣) Ch.Diehl ,op.cit.,II ,p.٨٩٤.