والثانية أكثر تعقّدا لتكوّن جسم الكتّاب بصفة مهيكلة ولبروز وظيفة الوزير وهو رئيس الإدارة ، وقد اتّسعت وتعمّقت هذه الوظيفة في القرن الثالث وفيما بعد ، حتّى صار الوزير الرّكن الأساسي للدولة بعد الخليفة. ففي العهد الأموي ، كان الولاة مستقلّين في إدارتهم وكانت الولاية بمثابة دولة محلّية والدواوين لا صلة لها بمماثليها في دمشق سوى ديوان الرسائل ، لأنّ الدواوين في العاصمة كانت تهتمّ بخراج وجند بلاد الشام. وكان يصعب مراقبة تصرّف الولاة في الجباية ـ وهي أهمّ شيء ـ ومن هنا أتت عمليات المصادرة والتّعذيب للولاة باعتبارها محاسبة من نوع خاصّ.
من الممكن أنه وجد بدمشق ديوان عامّ للجند ، إذ تتكلم المصادر عن" الديوان" عامّة دون تعريف ، وإذ نرى الخليفة يسقط من الديوان عناصر وأصنافا ويحوّر ويغيّر. إلّا أنّ ديوان الجند في تعامله اليومي يبقى جهازا محليا بالأساس ، لصلته بمقاتلة هذا المصر أو ذاك. وإذا كان الوالي ملتزما بقانون قارّ لمبالغ العطاءات ، فهو يتصرّف في توزيعها في حالات الطوارئ وحسب إمكانات بيت المال. والوالي في ولاية ما ـ هنا إفريقية ـ هو رئيس الجيش قبل كلّ حساب. ولعلّ دور الوالي أهمّ في كلّ ما يتعلّق بديوان الخراج وبالجباية بصفة عامّة ، وهي ليست مسألة إدارية تقنية فحسب وإنّما سياسية بالأساس لعلاقتها الوطيدة بالسّكان المغلوبين وبالبشر في ولاية انبنت أصلا على الفتح وتولّدت عنه.
الذي حصل في العهد العبّاسي الأول هو تشعّب أكثر وتنظيم أكبر للبيروقراطية المركزية وتغيّرات هامّة في الأساليب الإدارية أثّرت دون شك على العلاقات مع الولايات. ونحن نعلم من كتاب الوزراء للجهشياري (١) أنّ ديوان الخراج في العاصمة شهد اختصاصا جهويا ، وأنيطت بقسم منه الإشراف على الشام ومصر وإفريقية ، ويعني هذا رقابة أكبر على مداخيل الجباية في الولايات. فكان ديوان خراج إفريقية ، باتفاق مع الوالي ، يرسل حسابات مدقّقة إلى العاصمة بخصوص
__________________
(١) وزراء ، ص ٢٨٧.