روح بن حاتم والإشارة باستبداله وهذا ما حصل (١). ومن الأرجح إذن أن يكون صاحب البريد معيّنا مباشرة من الإدارة الخليفية وليس من الوالي وإلّا فقد استقلالية رأيه.
ولعلّ صاحب البريد من قلّة المسؤولين في الجهاز الإداري البحت الذين يتمتّعون بهذه الخطة السياسية لكن يجب إضافة القوّاد العسكريين خاصّة في العهد العبّاسي ، ومن الممكن وإلى حدّ ما قاضي القضاة كما سنرى ذلك. أمّا بقيّة المسؤولين عن الجهاز الإداري فعملهم تقني ملتزم بآليات مجرّبة ودواليب تشتغل لوحدها ، فليس لهم أي باع في أي قرار ، وهم بعد تحت سلطة الوالي يعيّنهم ويعزلهم كما يشاء ، لكنّ سلطة الوالي محدودة من فوق ومحدودة بحكم المعايير الإدارية وإلّا انخرم كلّ شيء.
من هذا الوجه ، أمكن أن نقول إنّ هذه الإدارة" عقلانية" حسب تعابير ماكس فيبر خصوصا في العهد العبّاسي حيث قويت سلطة الوزير والإدارة ، وهذا خلافا لما روّج عن استبدادية الحكم الإسلامي واعتباطيته." فالكتّاب" المسؤولون على الإدارة لهم خبرة وهناك تراتبية وكانت لهم أجور معيّنة ، وهذا يجري عليه الأمر في إفريقية كما في مصر ، لأنّ الولايات إنّما هي صورة مصغّرة عن الجهاز المركزي.
ولكلّ بيروقراطية قوّة مقاومة ذاتية وازدادت هنا بكونها ورثت التقاليد البيزنطية السابقة ولكون الموظّفين في الأوّل من غير العرب ومتضامنين وواعين لجدواهم.
هنا تطرح نفسها مشكلة التواصل والانقطاع بين النّظام القديم والنظام الجديد. فمن جهة ، أن طبق النمط العربي العامّ على البلاد ، يعني أنّه سيكون مهيمنا وأنّ له المقام الأوّل ، ومن جهة أخرى ، فقد احتفظ بالتقنيات المحلّية في تفاصيل العمل الإداري. وقد راعى سادة البلاد الجدد مراحل التحوّلات في تشغيل الموظّفين وكذلك في استعمال التعبير
__________________
(١) البيان ، ج ١ ، ص ٨٥.