النسقى الذي تركه عليه مؤلفوها. إذ رتبوا لوحة موجزة عن الملوك وصنفوا كتبهم استنادا اليها ووزعوا الحقب المتعلقة بهؤلاء الملوك والأمراء ، وذلك بالتوافق مع علم تأريخ ملوك الفرس ، أو آشور ، أو الكلدان ، أو اسرائيل.
ففي الزمن الذي كان يحكم فيه الرافضة افريقيا سمعت من اولئك الذين هربوا من خلفاء بغداد ان هؤلاء الخلفاء كانوا يحرقون كتب الأفارقة العلمية والتاريخية لظنهم ان هذه المؤلفات من شأنها ان تثبت الافارقة في صلفهم القديم ، وانها قد تدفعهم للتمرد على الاسلام والتنكر لمعتقداته (١٨٧) ويقول بعض مؤرخينا الآخرين أنه كان للأفارقة لغة خاصة بهم مكتوبة ولكنهم اضاعوا هذه الكتابة في أعقاب الحكم الروماني لبلاد البربر ، وبسبب تطاول الأمد لهيمنة النصارى الذين فروا الى ايطاليا ، ثم القوط من بعدهم (١٨٨) وتضطر الرعايا الى اتباع عادات سادتهم اذا ما أرادوا كسب رضاهم. وهذا هو ما وقع للفرس تحت الحكم العربي ، فهؤلاء ايضا أضاعوا كتابتهم وأحرقت كل كتبهم بأمر من الخلفاء المسلمين ، الذين حسبوا انه ما دامت في أيدي الفرس كتب عن العلوم الطبيعية ، والقانون ، والديانة الوثنية ، فلن يستطيعوا ان يصبحوا مسلمين راشدين. فأحرقوا كل هذه الكتب وحظروا ممارسة هذه العلوم (*) ويقال ان الرومان والقوط فعلوا نفس الشيء عندما حكموا بلاد البربر.
ويبدو أن البرهان التالي كاف : ففي كل بلاد البربر ، سواء كانت من مدن الساحل أو مدن الداخل ، وأقصد بذلك المدن التي شيدت في العصر القديم ، لا نجد كتابة يمكن رؤيتها فوق القبور أو فوق جدران عمارة ما بغير الحروف اللاتينية ، وهذا بدون استثناء. ولا أتصور من جهة اخرى ان الأفارقة استخدموا هذه الحروف وانهم استعانوا بها لكتابة لغتهم الخاصة. وليس ثم شك في أن الرومان عندما انتزعوا هذه البقاع من اعدائهم قد
__________________
(١٨٧) من المحتمل أن أوامر كهذه قد صدرت في القرن الثامن الميلادي عن ملوك من الخوارج وفي القرن التاسع الميلادي من قبل الامراء العلويين ولكن التعصب ولا سيما الجهل والتهاون الشعبي كل ذلك يكفي لتفسير اختفاء مؤلفات القذامى وهو أمر حدث مثله في أوربا ايضا لا سيما في الأندلس بعد خروج المسلمين.
(١٨٨) ويغلب على الظن أن هذه الكتابة المعينة هي الكتابة الليبية البربرية التي تثبتت حتى أيامنا لدى الطوارق على شكلها الحديث وهي المسماة التفيناغ. وعلى كل حال فمن المشكوك فيه ان تكون قد ظهرت مؤلفات هامة مكتوبة بحروف ليبية بربرية ، وربما المقصود بذلك الكتابة البونية (الفينيقية الافريقية) التي كانت منتشرة حول قرطاج ، والتي كان لها انتشار كبير في أفريقيا الشمالية ، والتي ظلت دارجة مدة طويلة بعد خراب المدينة المذكورة.
(*) هذه فرية وضيعة على الإسلام والمسلمين. وقد افترى مثلها فيما يتعلق بحريق مكتبة الاسكندرية (المراجع).