وفي الأزمنة التالية استرد عرب نوميديا ، الذين كانوا عبيد النوميديين تقريبا ، استردوا حريتهم وهيمنوا رغم أولئك على جزء من نوميديا الذي أقطعهم إياه المنصور ، حتى أصبحوا يوسعون أراضييهم يوما بعد يوم. أما العرب الذين كانوا يسكنون أزغار والمناطق الأخرى من موريتانيا فقد استعبدوا ، لأن العرب خارج الصحراء كالسمك خارج الماء (٩٨) ، وكانوا يودون الذهاب إلى الصحراء ولكن كان ذلك من المستحيل عليهم ، لأن ممرات جبال الأطلس كانت تحت حراسة وسيطرة البربر. ومن جهة أخرى كان عليهم أن يكفوا عن أي توسع في الأرياف ، لأن عربا آخرين كانوا سادتها. ولهذا تخلوا عن كبريائهم وانصرفوا إلى رعي الماشية وزراعة الأرض. ولكنهم ظلوا يعيشون تحت الخيام لا تحت أكواخ أو بيوت ريفية. وبالإضافة إلى توسعهم أصبح عليهم أن يدفعوا سنويا ضرائب وعوائد لملك فاس. أما عرب دكالة الذين تحصنوا بكثرتهم فقد كانوا أحرارا وما كانوا ملزمين بدفع أية ضريبة. وبقي قسم من العرب في منطقة تونس لأن المنصور رفض اصطحابهم معه. وبعد رحيله قام هؤلاء باحتلال تونس ، وأصبحوا سادة البلاد واستمرت هيمنتهم إلى أن ثار بعض أمراء أسرة أبي حفص. فاتفق العرب معهم كي يتركوا لهم السلطة العليا بشرط أن يحصلوا على نصف الضرائب ومنتجات الأرض التي ستنتزع من المملكة (٩٩).
__________________
ـ وعاقب العرب الدين أمدوهم بالعون. وعاد الى مراكش في ايلول (سبتمبر) ١١٨٨ م بعد معركة مظفرة ، مصطحبا معه اكثر العرب شغبا كي يجعلهم تحت مراقبته ولكي يستخدمهم في حرب الأندلس. فأقام هؤلاء العرب في تامسنه وفي ازغار.
ولكن عرب المعاقيل ، الذين لم يكن عددهم يتجاوز ٢٠٠ رجل عند الزحف الهلالي والذين تكاثروا تكاثرا مذهلا ، أخذوا بالتسلل نحو الغرب عبر الجنوب التونسي والجنوب الجزائري والجنوب المغربي كي يصلوا الى السوس في القرن الثالث عشر الميلادي. وفي اواخر القرن الرابع عشر لم يكونوا قد تجاوزوا جنوبا الساقية الحمراء ، وفي اواسط القرن الخامس عشر الميلادي. وصلوا وادان ، وفي عصر المؤلف بلغوا تيشيت في موريتانيا الحالية ، وقد كانوا من ناحية اخرى قد بلغوا البحر المتوسط سالكين وادي الملوية وذلك في القرن الثاني عشر الميلادي.
(٩٨) وهنا نتوقف قليلا لنوضح المفهوم الجغرافي لبعض الأسماء الواردة في نص الوزان : فكلمة موريتانيا عنده تعني المنطقة الواقعة إلى الجنوب من مدينة الجزائر حتى شمال مصب نهر السبو ، وتعني نوميديا منطقة قسنطينة ، وأما افريقية فتغني بلاد تونس الشمالية بما في ذلك القسم الشرقي من منطقة قسنطينة أي كل حوض نهر المجردة ورافده نهر الملاق. ويقصد المؤلف بعبارة العرب دوما الأعراب لو البدو من بني هلال وسليم والمعاقيل (المترجم).
(٩٩) لقد حدث الاستيلاء على تونس في كانون الأول (ديستمبر) ١٢٠٣ م ، ولم يتم انتزاع المدينة على أيدي العرب ، بل بواسطة قوات المدعي المرابطي يحيى بن إسحق بن غانية المايورقي ، الذي تزعم التمرد المرابطي بعد وفاة أخيه علي. وجاء خليفة مراكش أبو عبد الله محمد الناصر ذاته لاستخلاص تونس في ١٢٠٥ م. وأرسل أفضل قواده ، عبد الواحد بن أبي حفصة عمر لمطاردة يحيى الذي انهزم في تشرين الأول (اكتوبر) ١٢٠٥ م. عند جبل تاجيره في الجنوب التونسي. وعند عودته من تونس الى مراكش في ايار (مايو) ١٢٠٧ م ترك الناصر عبد الواحد واليا على تونس وحاكما على البلاد التونسة. وفي ـ