ويموت فيها الكثير من الناس من الحر والعطش ، وأذكر أنني قلت ذلك (١٢٣)
__________________
(١٢٣) لقد استوحى هذا التعميم من ابن خلدون (نهاية القرن الرابع عشر ميلادي) الذي قال عنهم ما يلي في اثناء كلامه عن وضع البربر في الصحراء الكبرى : «يؤلفون نوعا من حزام على حدود بلاد السودان ، حزام يمتد غربا بشكل متواز مع الحزام الذي يشكله العرب على تخوم المغربين وافريقية ، فجدالة وهي احدى قبائلهم ، تقع في مواجهة «دوي حسن» ، فرع من قبيلة عربية من معقل التي تسكن السوس الاقصى ، أما لمتونة وأونزيقة (أو اوزيجا) فيسكنون في مواجهة «دوي منصور و «دوي عبيد الله» وهم من معاقيل المغرب الأوسط ، وتسكن لمتة في مواجهة رياح ، وهي قبيلة عربية تقطن الزاب وبراري بجاية وقسنطينة ، وأما تارغة التي تقع في مقابل سليم ، فهي قبيلة عربية في افريقية» (تاريخ البربر ج ٥ ، ص ١٠٤). ومهما كانت قلة دقة الاشارات فهي تعطي تقريبا وضع قبائل الملثمين بالنسبة للمواضع التي كانت تشغلها القبائل العربية الضاربة في الشمال ، ومن الغرب الى الشرق ، وتشمل قبائل جدالة ، لمتونة ، او نزيقة ، لمتة والتارغة. وقد استوحى الحسن الوزان نفس التصنيف ، ضامّا على كل حال حدالة ولمتونة تحت اسم زناقة ، وحرّف اسم او نزيقة الى قنزيفة ، وقلب وضع لمتة والتارغة ، واضعا في ترتيبه من الغرب الى الشرق الأخيرة قبل سابقتها ، اي تارغة قبل لمتة. وجميع رسامي الخرائط ، الذين استوحوا رسومهم من الحسن الوزان ومن شارحيه ، قبلوا هذه التقسيمات ، ناسبين ان لكل قبيلة نطاقا شماليا جنوبيا يتواصل بشكل متواز ويمتد من المغرب حتى النطاق السوداني ، مع بعض التفاصيل الجزئية. وينجم عن هذه النظرة وضع سكاني يختلف عن الوضع السكاني للقبائل البربرية الحالية في الصحراء الكبرى ، وهذا يدل على أنه قد حدثت تغيرات سكانية كبرى ، نتجت عنها مختلف المجموعات المغربية ، من عرب وبربر وطوارق ، التي تحتل القسم الغربي من الصحراء الكبرى والصحراء الوسطى والسودان. وقد قدّمت عدة فرضيات في هذا الموضوع ، ويمكن القول أن أية واحدة منها لم تأخذ بعين الاعتبار النصوص التي سبقت الحسن الوزان ولا سيما كتابات ابن حوقل ، والبكري ، والادريسي ، وابن بطوطة وابي الفدا ، الذين عرّفونا على مواضع مختلف المجموعات العربية والبربرية والطوارق. وفيما عدا تبدل مواقع بعض القبائل الذي حدث فيما بعد ، فإن هذه المجموعات لا تزال ، مع اختلافات طفيفة ، في نفس النطاقات التي نجدها اليوم فيها. ولا يجوز ان يغرب عن نظرنا ، انه كان للتضاريس في كل زمن ، في الصحراء الكبرى ، ولا سيما في المنطقة التي تشغلها قبائل الطوارق ، دور عظيم في اختيار نطاقات الوزان ، ومن قبله ، ابن خلدون ، ضمن المجموعات الحالية بحيث يمكن العثور عليها. وسنرى فيما بعد أن هذا لم يصادف صعوبة ، إذا أردنا أن نأخذ بعين الاعتبار واقعا هو انه لم يكن لدى ابن خلدون والحسن الوزان اكثر من معلومات سطحية عن النطاق الجنوبي للصحراء الكبرى. ومن هذا الواقع نرى ان ابن خلدون قد حدّد امكنة قبائل المغرب العربية ، أي بالنسبة للشمال ، في حين لا يتكلم الثاني عن قبائل الطوارق الرحالة بين تومبوكتو وغوبر وآيير والتي كان لا بد ان يمرّ بها إذا كان قد أنجز فعلا الرحلة بين تومبوكتو والقاهرة عن طريق السودان الغربي ، كما أكّد ذلك. ولندرك أيضا أنه إذا كان الحسن الوزان قد أوجد بلبلة نوعا ما على الخرائط المرسومة بناء على اقوال ابن خلدون ، فهو في مقابل ذلك قد قدّم بعض التفاصيل عن حدود مختلف هذه «الصحارى». وهذه التفاصيل ، رغم عدم دقة وضوحها ، تساعد على العثور على الشبكة الشطرنجية التي تعيش ضمنها القبائل في الصحراء الكبرى. ولنتذكر في اثناء ذلك أن عبارة «صحراء» المستعملة عند الحسن الوزان ليست لها المعنى الثابت لرقعة صحراوية ، اي دون ماء ونبات. بل اراض غير مسكونة ، غامرة ، او بلاد الخلاء عند العرب ، لاسباب قد تكون متباينة ، سواء لحالتها الصحراوية. أو بسبب انعدام الأمن. اما في ما يتعلق بصحراء زناقة ، فقد كانت حسب اقوال الوزان ، مؤلفة من مثلث يمس رأسه السوس. بينما كانت قاعدته محددة بخط تومبوكتو ـ ولاته ـ المحيط ، ويمر الضلع الغربي من المحيط ، والضلع الشرقي من خط سوس ـ تغازه ـ تومبوكتو. وكانت المنطقة المحصورة ببين تغازه والساورة. والتي يدمجها ضمن صحراء ونزيقة ، كانت مغمورة ، او تكاد ، تقع ، كما سنرى ذلك فيما بعد. واستنادا الى نص ابن خلدون ، حوالي مركز الرقّان. في الصحراء الجزائر ـ