تملك هذه المدينة قصبة (١٦٤) لا يقل اتساعها عن مدينة ، مع أسوار سميكة ومتينة وأبواب بديعة جدا بني جانباها وأسقفها (١٦٥) من الحجر المنحوت وصنعت مصاريعها من الحديد. ويقوم في وسط القصبة جامع جميل جدا تعلوه منارة فخمة رشيقة ، في قمتها ساق من حديد انتظمت فيه ثلاث تفاحات من الذهب تزن مائة وثلاثين ألف دينار افريقي (١٦٦). والسفلى هي أكبر التفاحات والعليا هي أصغرها. وقد فكر عدة ملوك بانتزاعها وسكّها عملة عندما كانوا في حاجة ، ولكن كان يقع لهم دائما حادث خارق يقسرهم على تركها ، حتى أنهم اعتبروا المساس بها شؤما. ومن الشائع بين الأهلين بأن هذه التفاحات قد وضعت في مكانها تحت تأثير الكواكب بحيث لا يمكن انتزاعها من مكانها ، ويضاف إلى ذلك أن الذي ثبتها نطق رقية سحرية اضطرت بعض الأرواح بتأثير منها إلى تجنيد حرس واصب. وفي أيامنا أراد ملك مراكش (١٦٧) الذي كان عليه أن يدافع عن نفسه ضد النصارى البرتغاليين ، والذي لم يكن لديه أي تقدير لتطيّر الدهماء الساذج ، أن يقتلع هذه الكرات ، ولكن سكان المدينة لم يسمحوا له بذلك ، متذرعين بأنها تؤلف أشرف زينة لمدينتهم. ونقرأ في الكتب التاريخية أن زوجة المنصور (١٦٨) رغبت ، بعد أن بنى زوجها هذا الجامع (١٦٩) في أن تخلف هي نوعا من ذكرى عن نفسها بين تزيينات هذا البناء ، فباعت حليها الذهبية الخاصة ، والفضية والأحجار الكريمة وجميع ما قدمه لها الملك عند زواجه منها وأمرت بصنع التفاحات الذهبية الثلاث التي تعطي مظهرا جميلا للغاية فوق قمة هذه المنارة ، كما قلنا ذلك آنفا. هذا وتقوم في القصبة مدرسة جميلة جدا أو ، على الأصح ، مؤسسة للدراسات ولسكنى طلاب متنوعين وتحوي على ثلاثين غرفة ، وفي الطابق الأرضي قاعة كانت تعطى الدروس فيها في الماضي. وكان كل تلميذ مقبول في هذه المدرسة يعفى من مصاريفه ويكسى مرة في كل عام. وكان الأساتذة يتقاضون مرتبا يتراوح بين مائة ومائتي دينار حسب طبيعة الدروس
__________________
(١٦٤) تعني كلمة قصبة في بلاد المغرب الحصن أو القلعة. (المترجم).
(١٦٥) يسمى سقف الباب أسكفّه. وقد تطلق هذه الكلمة كذلك على عتبته السفلى.
(١٦٦) يعود هذا البناء للعصر الموحدي. والدينار هنا يعني المثقال الموحدي ويزن ٧ ، ٤ جرامات ويجب بكل تأكيد أن نقرأ عوضا عما كتبه المؤلف : ثلاثة عشر الف دينار ، أي ٦٠ كجم من الذهب.
(١٦٧) أبو علي الناصر بن يوسف.
(١٦٨) أي زوجة الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب بن عبد المؤمن ، الملقب بالمنصور.
(١٦٩) في عام ٥٩٤ ه أو ٢٤ / ١٠ / ١١٩٦ م الى ١٢ / ١٠ / ١١٩٧ م.