وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ..)(١).
وخلاصة الأمر : أننا نجد هؤلاء يفرون هنا ، ولا يثبت إلا علي «عليه السلام» ، ويتركون النبي «صلى الله عليه وآله» عرضة للشدائد والبلايا ، وعلي «عليه السلام» وحده هو الذي يثبت ، ويدفع عن هذا الرسول «صلى الله عليه وآله» ، ويرد عنه ، تماما كما كان «عليه السلام» في بدر يحارب ، ثم يرجع ليتفقد الرسول «صلى الله عليه وآله» كما تقدم.
والدليل على أنهم قد أهمتهم أنفسهم ، ولم يهتموا بحفظ نفس الرسول : أننا نجدهم ـ بعد سنوات ـ لا يعنيهم موت الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» في قليل ولا كثير ، حتى لقد أخرج ابن سعد ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ، قال : جاء علي بن أبي طالب يوما متقنعا متحازنا ، فقال له أبو بكر : أراك متحازنا.
فقال علي : إنه عناني ما لم يعنك!!.
قال أبو بكر : اسمعوا ما يقول ، أنشدكم الله ، أترون أحدا كان أحزن على رسول الله «صلى الله عليه وآله» مني؟! (٢).
فإن عليا لم يكن يراهم محزونين على النبي «صلى الله عليه وآله» ، ولا مهتمين بأمره ، ولا حتى حين وفاته ، بل لم يكن يعنيهم أمره أصلا ، حتى
__________________
(١) الآيات ١٤٠ ـ ١٤٥ من سورة آل عمران.
(٢) حياة الصحابة ج ٢ ص ٨٤ ، وكنز العمال ج ٧ ص ١٥٩ عن ابن سعد.