وقد أوضح الهمداني أنه أقام في صعدة عشرين سنة (١) ونرى أن هذه المدة كانت قبل سجنه سنة ٣١٩ ـ أي أنه عاد من مكة بعد سنة ٣٠٧.
مفتاح شخصية الهمداني : الدارس لكل ما يتصل بحياة الهمداني يجد أن تعصبه لقومه أو للقحطانية عامة ، المنفذ الواسع لدراسة أحوال الهمداني ، ومن هذه الناحية نجد أن كل نقد يمكن أن يوجّه اليه يلج من هذا الباب الواسع الذي بقي مفتوحا الى عصرنا الحاضر ، حيث نجد أشعارا لشعراء معاصرين من اليمن ولجوا هذا الباب ، وليس من غرضنا ـ في هذه الترجمة الموجزة ـ التوسع في أمر لا نرى التوسّع فيه ، بل نرى إغلاقه ، فكم جرّ على الأمة العربية من كوارث ومحن ، ولكن من يريد أن يدرس حياة هذا العالم اليمني لا يستطيع إغفال هذا الجانب الذي لن تتضح معالم شخصيته بدون إشباع القول فيه. ويضاف إلى هذا اتساع آفاق المعرفة عند الهمداني اتساعا يدعو الى الاستغراب والدهشة ، بالنسبة لرجل عاش في بقعة توشك أن تكون في ذلك العهد منعزلة عن العالم ، ولكنّ هذا الرجل استطاع ان يمتح من كل علم من علوم عصوره بالدّلاء الملاء ، ومن هنا تتسع جوانب الدراسة فتشمل كل ما عرف في ذلك العصر من معارف وفنون وعلوم. ولا يكون من المبالغة القول بأن هذا العالم طرق آفاقا لا يجد الباحثون بين من طرقوها في البلاد العربية أحدا غيره ، ومن هنا تبرز أهمية دراسة كل ما يتصل بحياته العلمية.
ولئن كان المتقدمون قد يطلقون القول جزافا عند ما يترجمون أحدا من العلماء في تلك العصور المتقدمة ، الا أن الباحث عند ما يسبر الأغوار التي ذكروها ، ويحاول تطبيقها على واقع ذلك المترجم ـ بالنسبة للهمداني ـ يحس بكثير من القناعة والاطمئنان.
لقد قالوا عن الهمداني : (لم يولد في اليمن مثله علما وفهما ولسانا وشعرا ، ورواية وذكرا ، وإحاطة بعلوم العرب من النحو واللغة والغريب والشعر والأيام والأنساب والسير والأخبار والمناقب والمثالب ، مع علوم العجم من النجوم والمساحة
__________________
(١) «الاكليل» ١ / ١٩٩.