التقينا عند الغروب بثلة من الخيالة الفرس من أتباع «قاسم أو قصوم سلطان» حاكم الحدود وهو الذي هجم على مندلي فخربها. لقد فرحت لأني أصبحت بعيدا عن متناول الأتراك. فلما اقتربوا منا صرحت بأصلي وهويتي فأصبحت موضوع «طماشة» (١) أعني كشيء جديد غريب! فأحاطوا بي وأمطروني بوابل من الأسئلة وكانوا يتكلمون التركية فهذه اللغة سائدة بين الفرس أيضا إلى جانب لغتهم وهي لغة الخاصة في البلاط وبين مراتب الجيش .. ثم أخذوني إلى رئيسهم.
في اليوم التالي وهو العاشر من كانون الثاني ١٦١٧ صعدنا بعض الهضبات ثم توقفنا قرب جدول اسمه «ينكي امام» وبالقرب منه قرية كردية تدعى «ينكي قوناغي» أي الموقف الجديد.
في هذا المكان نزعت الزيّ القديم «أي العراقيّ» ولبست الزيّ الفارسيّ وحلقت لحيتي تاركا شاربي العريضين على عادة الفرس ، فتغير شكلي حتى أن زوجتي معاني استغربت منظري وتألمت جدا .. فحاولت إقناعها بضرورة التغيير حسب عادات البلاد التي نمر بها وأخبرتها بأني سأغير منظري من جديد عندما نعود إلى إيطاليا فهناك سأترك شعيرات قليلة في ذقني. هذه العادة الغربية يطلقون عليها هنا تهكما لحية الماعز!
لقد تكلمت عنك مرارا أمام معاني وحدثتها عن حبك للعربية فاشتاقت إلى معرفتك وقدمت نفسها لخدمتك على أمل أن تلقاك يوما فتقوم مقام المعجم الحي للكلمات العربية التي تريد معرفتها. فما أكثر الكلمات التي لا أثر لها في المعاجم المتوفرة ؛ لذلك فبحضورها يمكنك أن تضع أمامها مختلف الحشائش لتقول لك في الحال اسم كل نوع بالعربية. إنها تستطيع إعطائي جذور الأفعال وأصولها وطريقة تصريفها إضافة إلى الأرقام والأشخاص وغير ذلك.
إنه لأمر غريب حقّا لعله لم يحدث من قبل أبدا بين رجل وزوجته أن لا
__________________
(١) اللفظة وردت في الأصل.