بالنسبة إليّ وأنا هنا أملك بيدي مرجعا جغرافيا أستعين به.
يوم الأربعاء شاهدنا قبورا حديثة العهد في أماكن مرتفعة وهي لبعض التركمان المار ذكرهم ولعرب البادية. ان هؤلاء الناس يدفنون حيثما يلاقون حتفهم ويكتفي القوم بوضع حجر على القبر كعلامة على وجوده لا غير.
يوم الخميس لم نشاهد شيئا يستحق الذكر.
يوم الجمعة مساء رأينا عن بعد على الفرات قلعة تدعى «الرحبة» وقيل أنه يوجد ثمة آثار قديمة ، ولا عجب في ذلك لأن مدنا كثيرة مهمة قامت قديما على ضفاف هذا النهر. ولم نذهب لمشاهدتها عن قرب لئلا يطول بنا الطريق.
يوم السبت وكان الأول من تشرين الأول [١٦١٦] وصلنا عند الضحى إلى بعض التلال التي يجري من تحتها نهر الفرات ، وهو النهر الذائع الصيت في العالم ؛ فشربت براحتي من مياهه العذبة ، ونصبنا هناك خيامنا وأمضينا النهار كله بالاستراحة من تعب سفر الليلة السابقة.
وبعد أن أخذت نصيبا من النوم ، لم أشأ إضاعة الوقت ، فبدأت أتجول في تلك المنطقة. فرأيت بعض الآكام ، أما سائر الأرض فكانت منبسطة كالصحراء التي قطعناها. ونظرا لرطوبة البقعة القريبة من النهر فقد نجمت أنواع عديدة من النباتات ، ومن جملتها الخرنوب البري ونبات لا أعلم كيف أصفه أهو السرو البري أم العرعر ، فهو أشبه ما يكون بأرز لبنان لكنه أصغر حجما منه. كما وجدت النبات الذي يستخرج منه الرماد الضروري لصنع البلور النقي في البندقية وغير ذلك من أجناس النباتات التي لم أشاهدها من قبل ، فجمعت منها شيئا قليلا وحفظتها باعتناء ضمن أغلفة مختلفة لأحملها إلى سيادتكم عملا بتوصياتكم.
لقد لا حظت أن كل الروابي التي على كتف النهر والأرض المستوية كانت مغطاة بمعادن بيضاء اللون ترسل لمعانا ، ولم أعرف ماهيتها أهي النطرون أم الطلق (١) أو ما أشبه ذلك فأتيت بنماذج منها أيضا وشرحت في
__________________
(١) النطرون بالفتح البورق الأرمني (القاموس المحيط) الطلق حجر براق يتشظى إذا دق ـ صفائح وشظايا (المرجع نفسه) انظر : نخب الذخائر لابن الأكفاني تحقيق الأب انستاس الكرملي ص ٩١ : للمزيد من المعلومات انظر : تكملة المعاجم العربية ، تأليف ر. دوزي ، ترجمة د. محمد سعيد النعيمي ، بغداد ١٩٩٢ ، ٧ : ٧٢.