حبهما. فأوحى إليه
حبه الجارف أن يحمل رفات الحبيبة إلى روما ليواريها الثرى في ضريح أجداده ، فقد
كانت أمنيته أن تدخل زوجته معه إلى روما وترى المدينة العظيمة التي طالما حدثها
عنها واشتاقت لرؤيتها ، فلا بأس أن تدخلها ميتة ، فقرر تحنيطها بطريقة بدائية بوضع
كمية كبيرة من الكافور الهندي في داخل جثمانها ، وأوصى على صندوق من خشب الصندل
أحكم سده بمسامير حديدية كبيرة من صنع محليّ.
أربعة أعوام
والجثة المحنطة ترافقه من مكان ألى آخر ، في بلاد فارس والهند والبحر العربي
والعراق وسوريا ، ولم يهدأ باله إلا بعد أن أوصلها إلى روما وأنزلها بيديه في ضريح
الأسرة بين والديه ، في واحدة من أجمل كنائس روما وأقدمها ، كنيسة مريم العذراء ،
على مرتفع أراجيلي في قلب المدينة.
ألا توحي هذه
الرحلة وأحداثها قصة ميلودرامية تروي تاريخ العراق في الربع الأول من القرن السابع
عشر والصراع بين العراق وفارس ومحاولة هؤلاء السيطرة على العراق وموقف العراقيين
ضد الأطماع الفارسية.
لم يكن ديللافاليه
يسعى إلى الصفقات والربح المادي ، ولا رجل دولة ، بل كان حاجّا وباحثا بكل ما في
الكلمة من معنى وهو يحاول النسيان ويطلب العلم ، ولم يأبه للمال فقد كان غنيّا ،
لهذا لم يتسرع في ترحاله لأنه يريد الاطلاع على الآثار والاختلاط بالناس والتعرف
على كبار القوم وعلمائهم والشخصيات الحاكمة. بحث عن الكتب القديمة النادرة ، وتعمق
في التركية والفارسية ، وألمّ بالعربية والكلدانية والقبطية إلى جانب معرفته
السابقة باليونانية واللاتينية.
وكما وعد صديقه
الطبيب ماريو ، أخذ يكتب من كل مدينة يحل بها رسالة مطولة فيها وصف مسهب للمناطق
التي زارها والناس الذين التقى بهم ؛ ويدل وصفه على سعة اطلاعه وتمكنه من المصادر
القديمة فهو يذكر المؤرخين السالفين مثل هيرودوتس وزينوفون ويورد أبياتا من الشعر
الكلاسيكي اللاتيني ويأتي على ذكر آيات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
كانت الرسائل
الأولى غزيرة المادة وافية الشرح ثم قصرت بعد وفاة