ولو امتنعت لما
سألها ، لانه لو علم امتناعها كان سؤالها منه عبثا لا يصدر عن العاقل فضلا عن
النّبيّ الكامل ، ضرورة انّ طلب المحال عبث ، ولو لم يعلم امتناعها لم يصحّ كونه
نبيّا كليما ، بل لم يصلح للنّبوّة ، إذ المقصود من البعثة هو الدّعوة ، إلى
العقائد الحقّة والأعمال الصالحة.
وثانيهما أنّ قوله
تعالى. (فَإِنِ اسْتَقَرَّ
مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) تعليق للرّؤية البصريّة على استقرار الجبل ، ولا شك انّ
استقراره أمر ممكن ، والمتعلّق على الممكن ممكن لأنّ معنى التّعليق انّ المعلّق
يقع على تقدير وقوع المعلّق عليه ، والمحال لا يقع على شيء من التقادير الممكنة ،
وفى كلا الوجهين نظر :
أمّا الأوّل فمن
وجهين :
أحدهما انّا نختار
الشّقّ الأوّل من التّرديد ، ونمنع كون السؤال عبثا لجواز أن يكون لاظهار امتناع
الرّؤية على القوم على أبلغ وجه وآكد طريق ، أو لمزيد الاطمينان بتعاضد العقل
والنّقل كما فى سؤال إبراهيم (ع) عن كيفية إحياء الموتى حيث قال : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
وثانيهما انّا
نختار الشّقّ الثّاني ، ونمنع كون الجاهل ببعض الأحكام فى بعض الأوقات غير صالح
للنّبوّة والتكليم ، إذ المقصود من البعثة هو الدّعوة إلى الأحكام الشّرعيّة على
سبيل التّصريح بحسب تدريج نزول الوحى ، فيجوز أن لا يكون الأنبياء عالمين ببعضها
فى بعض الأوقات حتّى نزول الوحى.
وأمّا الثّاني فمن
وجهين أيضا :
أحدهما النّقض ،
وهو أن يقال : لو صحّ هذا الدّليل لزم أن يكون عدم الواجب لذاته ممكنا ، ضرورة
انّه يصحّ تعليق عدمه بعدم العقل الأوّل على رأى الفلاسفة ، وبعدم الصّفات
الحقيقيّة على رأى الأشاعرة بأن يقال إنّ عدم العقل الأوّل ممكن قطعا ، وكذا عدم
الصّفات الحقيقيّة على ما لا يخفى.
وثانيهما الحلّ ،
وهو أن يقال : إن أريد بامكان المعلّق فى الآية إمكانه فى ذاته فمسلّم،