عن المرتكب متدرجا فيه (١) أيضا ، فإن مراتبه كثيرة ، (ثم القول الليّن) أن لم ينجع الإعراض ، (ثم الغليظ) إن لم يؤثر الليّن متدرجا في الغليظ أيضا ، (ثم الضرب) إن لم يؤثر الكلام الغليظ مطلقا (٢) ، ويتدرج في الضرب أيضا على حسب ما تقتضيه المصلحة ويناسب مقام الفعل ، بحيث يكون الغرض تحصيل الغرض.
______________________________________________________
ـ فإن فعل وإلّا فاجتنبوه) (١) ، ومرسل درست عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فلمّا انتهيا إلى المدينة فوجدا فيها رجلا يدعو ويتضرّع ـ إلى أن قال ـ فعاد أحدهما إلى الله ، فقال : يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرّع إليك ، فقال : امض لما أمرتك به ، فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط) (٢).
فهذه النصوص تدل على أن الإنكار القلبي هو إظهار الكراهة بحيث يبدو على الوجه مع الإعراض عن العاصي ، وأما بقية التفاسير المتقدمة فهي ضعيفة خصوصا الأول ، إذ اعتقاد وجوب المتروك وحرمة النهي المرتكب ليس من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هو من أحكام الإيمان ، وأما عدم الرضا بالمعصية فهو من أحكام الإيمان أيضا ، وأما زيادة الابتهال لهداية العاصي فهو غريب.
هذا وقال الشارح في المسالك (واعلم أن الإنكار القلبي يطلق في كلامهم على معنيين ، أحدهما إيجاد كراهة المنكر في القلب بأن يعتقد وجوب المتروك وتحريم المفعول مع كراهته للواقع ، والثاني الإعراض عن فاعل المنكر وإظهار الكراهة له بسبب ارتكابه.
والمعنى الأول يجب على كل مكلّف لأنه من مقتضى الإيمان وأحكامه سواء كان هناك منكر واقع أم لا ، وسواء جوّز به التأثير أم لا ، إلّا أن هذا المعنى لا يكاد يدخل في معنى الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ، لاقتضائهما طلب الفعل أو الترك ، ولا طلب في هذا المعنى ، فلا يعدّ معتقده آمرا ولا ناهيا ، بخلاف المعنى الثاني ، فإن الإنكار والطلب يتحققان في ضمنه ، ووجوبه مشروط بالشرائط المذكورة ، لأنه يظهر على فاعله حتما ويجري فيه خوف ضرر وعدمه).
(١) في الإعراض بحيث تجب مراعاة الأيسر فالأيسر ، وكذا في اللسان ثم في اليد جمعا بين حرمة إيذاء المؤمن وإضراره وبين عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو يقتضي التدرّج المذكور.
(٢) بجميع مراتبه.
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٥.
(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٢.