ومع ذلك فهو لا يهمل المعاني حينما يؤكد
على الألفاظ بل يريد دلالتها متوازنة متسقة فيقول : « ومع هذا فلا تظن أني أردت
إهمال جانب المعاني بحيث يؤتى باللفظ الموصوف بصفات الحسن والملاحة ، كان كصورة
حسنة بديعة في حسنها إلا أن صاحبها بليد أحمق ، والمراد أن تكون هذه الألفاظ
المشار إليها حسماً لمعنى شريف » .
ويؤكد ابن الأثير على المعنى الدلالي
بمنظور يقابل المنظور السابق فيقول عند حديثه عن الإيجاز : « والنظر فيه إنما هو
إلى المعاني لا إلى الألفاظ ، بحيث تعرى عن أوصافها الحسنة ، بل أعني أن مدار
النظر في هذا النوع ، إنما يختص بالمعاني فرُبَّ لفظ قليل يدل على معنى كثير ورب
لفظ كثير يدل على معنى قليل » .
والدقيق المضني عند ابن الأثير أن يعقد
المقالة الأولىٰ من كتابه « المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر » للصناعة
اللفظية فيبحثها من جميع وجوهها : الشكلية والسمعية والبيانية ويقسم كل ذلك بدقة
وشمولية واستيعاب إلى قسمين : ـ
القسم الأول في اللفظة المفردة ، والقسم
الثاني في الألفاظ المركبة ويستغرق ذلك أكثر من مئتي صحيفة » .
وفي جميع هذه البحوث الطائلة نجده يبحث
تفصيلات واسعة المداليل ، ولكنه لا ينسىٰ نظريته في دلالة الألفاظ أو المعنى
الدلالي عند التراكيب يقول : ـ
« واعلم أن تفاوت التفاضل يقع في تركيب
الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها لأن التركيب أعسر وأشق ألا ترى ألفاظ القرآن الكريم
ـ من حيث انفرادها ـ يفوق جميع كلامهم ، ويعلو عليه ، وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب
» .
________________